أفكار حُـرّة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي
صوت معتدل للدفاع عن حقوق الأنسان والعدالة الأجتماعية مع اهتمام خاص بشؤون العراق
“البرلمان لا يمثل كل الشعب، إنما يمثل من يرشحون انفسهم، ومن يؤمن بهم، ومن ينتخبهم بأصوات كافية كي يفوزوا”
تمهيد:
هذه المقالة هي جزء من سلسلة مقالات ذات عِلاقة بمحنة الشعب العراقي في بحثه عن بديل سياسي من حيث الأشخاص ومن حيث النظام السياسي، خاصة وإننا مُقبلون على انتخابات مفصلية. وهي مساهمة متواضعة جداً لموضوع شائك ومعقد. ولقد سبقت هذه المقالة مقالتين، هما غياب البديل السياسي، و مقومات البديل السياسي. من لم يقرأ هاتين المقالتين، احثه للرجوع إليهما إن توفر الوقت لاستكمال البحث والأفكار المقترحة.
صِناعة مُرشح البديل السياسي:
إن النظام الديمقراطي الانتخابي التعددي لا يعني إن جميع القِوَى السياسية ستمثل بالبرلمان. كذلك فإن النظام الديمقراطي يعتمد على مبدأ اساسي، وهو ان الفائز بالأغلبية سيحكم وفق الدستور وان الخاسر سيتقبل أن يكون في موقع الأقلية المعارضة السلمية في البرلمان وفق الدستور أيضا. إن التركيبية السياسية في العراق ديمقراطية من حيث التمثيل البرلماني، ولكنها توفيقية ومحاصصية من حيث تشكيلة السلطة التنفيذية متمثلة بمجلس الوزراء. وبذلك فإنها ديمقراطية عرجاء غير متكاملة. ولكنها وإن كانت عرجاء فإنها تستطيع السير نحو الأمام والتطور إن توفرت الظروف الملائمة والنية الحسنة! وللأسف فإن من استطاعوا أن يصلوا إلى سدة الحكم منذ عام 2003، قد تعلموا بسرعة مذهلة كيف يتقاسموا السلطة والثروة بينهم، ويجعلوا المعارضة الجماهيرية مهمشة وتستهلك طاقتها بالانتقاد المتواصل، دون القدرة على اختراق الحواجز والموانع التي صنعها من هم في السلطة. وعلى غرار النموذج اللبناني، فإن الأغلبية لا تحكم، وان كل القِوَى تمتلك سلطة تعطيلية لأنها شريك سياسي واقتصادي متضامن، مع القِوَى المناهضة لها افتراضياً. لذلك فإن اي تغيير جزئي بصعود نائبا او اثنين هنا وهنا لا يكون له اثر بالمرة وستضيع أصواتهم في سوق الصفافير كما يقول المثل العراقي.
فما العمل؟ وما هو الحل؟ الحل ليس بسيطاً ولا سهلاً ابدأ، لا بل صعباً ومعقداً، ولكنه ممكن في دورتين انتخابيتين او ثلاث. وذلك من خلال خلق نواب معارضة في البرلمان لا يشتركون بالسلطة التنفيذية، ويحصنون انفسهم عن مغرَيات المناصب الوزارية أو السيادية. فمن هم هؤلاء النواب؟ انهم ممثلي الشعب الذين يطالب ويحلم بهم المنتفضون في ساحات الاحتجاج. إنهم غير موجودين ولكن على الشباب المنتفض من ابناء الشعب ان يصنعهم. ان الشباب الغاضب على الفساد والمحاصصة وانعدام الخدمات وفرص العمل، يتظاهرون ويعتصمون، ويخاطرون بحياتهم ويحتشدون من اجل التغيير والإصلاح، وأنا مع مطالبهم المشروعة بالطرق السلمية، ولكن حان الوقت كي يتقنوا لُعْبَة الانتخابات. الديمقراطية والانتخابات علم وفن وخبرة وتخصص تحتاج إلى فطنة وذكاء وسهر ليالي وتضحيات. إذن على المنتفضين أن يحولوا العمل في الوقت المناسب من التظاهر في الشوارع والساحات، إلى ورشات عمل لصنع البديل النيابي كي يحل محل الفاسدين. إننا أمام استحقاق زمني حالي، لأننا مقدمون على انتخابات برلمانية من المفروض أن تكون مفصلية، لأن هذه الانتخابات جاءت تلبية لمطالب المتظاهرين وليست ضمن التوقيت الرسمي. وعليه إذا لم يستطع الشعب أن يحدث تغيير يُذكر في بنية البرلمان، فإن النتيجة ستكون كارثية وستؤدي إلى انكفاء وإحباط شعبي مزمن.
ومن اهم عوامل النجاح هو تحديد شعارات وأهداف رئيسة ومحدودة جداً، ربما شعار واحد فقط، كي يتحول إلى عَلامَة تجارية لقوى التغيير. إذن دعونا نرجع إلى السؤال الأول: من هو الشعب، وما هي مطالبه؟ ومن يستطيع ان يمثله؟ المفروض ان الشعب ينتخب ممثليه، وعليهم (الشعب) المشاركة الفعالة والفعلية بالعملية الانتخابية. وهذا لا يعني التصويت في يوم الانتخاب، وإنما المشاركة الفعالة في ترشيح ممثليهم للانتخابات ودراستهم ونصرتهم والتبرع لهم والترويج لرسالتهم، وفي يوم الاقتراع التصويت لهم. إن النزعة السلبية بعدم الاهتمام بالمشاركة المسبقة للانتخابات ثم مقاطعتها يوم التصويت ستؤدي على بقاء الأمور على حالها، والأنكى من ذلك سيقول الذين أعيد انتخابهم للشعب: ما حجتكم الآن؟ انتم انتخبتمونا، فأسمعوانا وأطيعونا يرحمكم الله!
وسمعنا كثيراً من انه لا يوجد من يستحق أن ننتخبهم، وهذا ربما صحيح لحد ما. الحل هو صنع المرشح الذي يستحق أن يُنتخب. فمن هو المرشح الجديد الذي سيبهر الجَمهور الناهض؟ من هو المرشح الذي سيحفز المتذمرين على انتخابه؟ من هو المرشح الذي سيخلق الطاقة الإيجابية لدى الجَمهور ويدفعهم للمشاركة بالانتخابات؟ المشكلة إن جيل الشباب، جيل غاضب ومتذمر، لكنه بصراحة جيل سلبي، يرفض الواقع السيئ بشدة، لكنه لا يُساهم في صنع البديل. إن التظاهر والاعتصام لا يصنع التغيير، وإنما يمنحه فرصة، وها هي الفرصة قد سنحت. وعليه فإن الانتخابات القادمة، فرصة ذهبية إذا استطاعت قِوَى التغيير استغلالها بكفاءة، فإن التغيير سيرى النور، وان افترضوا إن هناك من سيؤدي المهمة بدلاً عنهم، فإن التغيير لن يكون.
إن اي برلمان في العالم لا يمثل كل الشعب، إنما يمثل من يرشحون انفسهم، ومن يؤمن بهم، ومن يتعنى للذهاب لصندوق الاقتراع وينتخبهم بأصوات كافية كي يفوزوا. أما بقية أبناء الشعب الذين هم ليسوا جزءاً من العملية الديمقراطية، فإنهم دون تمثيل في البرلمان، ولا يحق لهم الشكوى لأن المواطنة واجبات قبل ان تكون حقوق. لذا فإن دور المثقفين والمنظمات المدنية والجوامع والجامعات، تثقيف الشعب بأهمية ألانغماس والاهتمام بالعملية الديمقراطية، التي تعيبها الكثير من الشوائب، ولكن لابد من ألاستمرار بها. إن الثمانين بالمئة الذين لم يشاركوا في الانتخابات السابقة وظلوا قابعين في بيوتهم ساهموا مساهمة فعالة في بقاء الفاسدين في سدة الحكم. والمفروض لا تتكرر هذه التجربة السلبية. الديمقرطية لا تبدأ بالتصويت ولا تنتهي بالاقتراع، وإنما عملية مستمرة للبحث عن افضل المرشحين وانزههم واثقفهم واشدهم إخلاصاً للوطن الذين يستحقون التبرع لهم والدعاية لهم ورفعهم على الأكتاف، وضمان فوزهم في الانتخابات القادمة كي يحلوا محل الفاسدين.
المهمة الأساسية للانتخابات القادمة هي صنع المرشح البديل لغرض تكوين المعارضة البرلمانية. المرشح الذي سيجذب الناخبين كما يجذب المغناطيس الحديد. فمن هو هذا المرشح البديل؟ هذه هي مهمة قِوَى التغيير، وهي من اصعب واهم المهمات في عملية الإصلاح. والسؤال الأخير الذي في ذهني الى الشباب الغاضب في ساحات الاحتجاج اليوم، هل شاركتم بشكل فعال في صنع مرشحيكم وصوتوا لهم في الانتخابات الماضية؟ لا تجيبوني، فالجواب معروف، ولا لوم في ذلك عليكم. ان كنتم صادقين لنجاح عملية التغيير عليكم العودة في الوقت المناسب إلى مراكز سكناكم وعملكم، كي تعملوا بين الجماهير، في الأحياء والأزقة والمصانع والمزارع، لصنع المرشح البديل من بينكم، لإنجاح البديل السياسي. السؤال هل سيحدث هذا؟ والسؤال الأهم: ما نوع ونوعية مشاركتكم في الانتخابات القادمة؟
الجواب: سيُعرف من نتائج الانتخابات القادمة.
محمد حسين النجفي
www.mhalnajafi.org
20 آب 2020
#العراق #انتخابات_العراق #ديقراطية_العراق #انتفاضة_اكتوبر_العراق #انتفاضة_تشرين_العراق
عزيزي الأستاذ محمد النجفي.. تحية طيبة
المقالة تحليلية جيدة وتحتوي على أفكار تطبيقية ناضجة وأتفق مع العديد منها.. ويمكن برأيي ان تكون خارطة طريق جيدة لصنع البديل الذي يرغب به المنتفضون. هذه المقالة التحليلية تقف عند أهم مسألتين أولاهما أن الشبيبة المنتفضة عليها اختيار المرشحين الذين يمثلونهم ويكونوا بطبيعة الحال من العناصر الكفوءة والنزيهة والقادرة على كسر احتكار تلك القوى التي احتكرت السلطة والتي تعتبر من القوى المعرقلة للتطور والتغيير. ثانيا إن على الشبيبة أن تكون القاطرة التي ليس فقط تشجع وتنادي وتعمل على جذب أكبر عدد ممكن من أبناء الشعب للمشاركة والتصويت لصالح التغيير, ولكن ايضا أن تكون قادرة على كنس الفاسدين وصقور المحاصصة الطائفية والعرقية.
باعتقادي كل هذا جميل, ولكن كل هذا لن يتحقق وتعاد الدورة السابقة بشكل آخر كالحرباء إن لم يسن قانون انتخابي عادل (سان ليغو الأصلي), وكذلك اعتبار العراق أو المحافظة دائرة انتخابية واحدة, إضافة إلى حصر السلاح بيد الدولة, ومنع استخدام المال العام في الدعايات الانتخابية, وخلق بيئة أمنية مناسبة للناخبين لإدلاء بأصواتهم بحرية. إضافة لذلك ينبغي أن تكون الإنتخابات المبكرة تحت إشراف الأمم المتحدة ومنظمات دولية رصينة, وتعلن النتائج بأسرع وقت.
إن الظروف برأيي اليوم هي أفضل من السابق وإن مستوى وعي الجماهير هو أفضل بكثير من الإنتخابات السابقة, كما ان السلطة التنفيدية الحالية الممثلة برئيس الوزراء الكاظمي هي عامل مساعد على فرض إرادة الجماهير التي ترنو للتغير.
عزيزي الأستاذ نجاح
شكراً على أضافتكم القيمة التي اتفق معها، ولكننا لا نستطيع التوقف لحين تصحيح قانون الانتخابات وقوانين رديئة اخرى. كما يقولون فإن المنتصر يكتب التاريخ‘ فإنه لا بد من تصحيح تركيبة البرلمان كي نصحح القوانين الجائرة، ومنها قانون الانتخابات. ولكن لنرى مصداقية الكاظمي في تعديل المسار ومنح قِوَى التغيير فرصة حقيقية كي تؤدي دورها في بناء الوطن.
خالص تحياتي