من سلسلة آخر ما قرأتُ بقلم الدكتور سمير جونه:
كتاب: صفحات لا تطوى: أفكار حرة في السياسة والحياة.
تأليف: محمد حسين النجفي، عن دار أهوار للنشر والتوزيع، شارع المتنبي، بغداد، العراق، 218 صفحة، سنة 2024.
مرَة اخرى يطل علينا الأستاذ محمد حسين النجفي من خلال هدية شخصية لي؛ كتابه الثالث الموسوم أعلاه، فله جزيل الشكر والامتنان. يختلف هذا الكتاب عن سابقيهِ كونه لا يحتوي على سرد يتضمن سيرته الشخصية، وانما مجموعة مختلفة من مقالات تتناول مواضيع متعددة تمس حياة كل عراقي بصورة خاصة، والتي سبق وان نُشرت في مواقع ادبية رقمية عبر السنوات. تتميز هذه المقالات بكون معظمها أكاديمياً بمعنى أنها لا تستند على آراء المؤلف الخاصة، وانما تستند على مصادر تاريخية لها وزنها ومكانتها، وإن لم يُخفي المؤلف بعض اجتهاداته بالموضوع ذاته. وهناك بالطبع بعضاً من هذه المقالات التي بناها المؤلف من فكره واجتهاده الخاص من خلال اطلاعاته وخبراته الطويلة جناها عير السنين وواظب على تشذيبها وتهذيبها لتخرج لنا بصورتها الحالية.
لو ألقينا نظرة على فحوى هذه المقالات لوجدنا إنها بانوراما تُغطي مواضيعاً ربما لا صلة مباشرة فيما بينها لكنها اطياف مختلفة تُكمل بناء لوحة معبرة عن واقع الحال في العراق. لذلك ليس من الغريب أن نجد تكرار بعض مقاطع السرد في مقالات مختلفة ومنفصلة، وكذلك فقدان التسلسل الزمني عند نشهرها في هذا الكتاب لأن هذه المقالات كُتبتْ في أزمان متفاوتة وتحت عناوين مختلفة.
ابتدأ المؤلف باليوبيل الذهبي لتأسيس العراق، وفترة الحكم الملكي، ثم تلاه؛ ثورة تموز 1958، الدين والطائفة والسياسة، الاقتصاد والسياسة، لعبة الانتخابات وديموقراطيتها، البديل السياسي، وآراء وافكار حرّة. وكل عنوان من التي ذكرناها يحتوي بين طياته تقسيمات ضرورية لتغطية مواده بصورة تفصيلية.
نعم إنها بانوراما واسعة تدل على مدى اطلاع وخبرة المؤلف في أمور الحياة والسياسة في العراق، وهو ابنها المجتهد المخلص لتربة بلده رغم قضاء معظم حياته في المهجر. وهذا ليس بالغريب، فهو ليس شخص عادي او صحفي عادي، بل شخص أكاديمي وخبير في الادارة والاقتصاد، قضى فترة من حياته استاذاً في الإدارة والاقتصاد في الجامعة المستنصرية، وله كتب أُقِرّت كمنهج تدريسي في تلك الجامعة.
عموماً، لم يكتفي المؤلف بالنقد والشكوى عن تدهور الأوضاع في العراق، بل قدّم حلولا عملية وواقعية يمكن تطبيقها إذا ما توفرت النيات الصافية لتحقيقها، ولو أني متأكد بأنه سيثير حفيظة الشباب باقتراحه إعادة الخدمة الإلزامية للجيش!! وكما يقول المثل العراقي الشهير “شدّوا روسكم يا گرعين”! وختاماً، حاولت أن أجد توصيفا يليق بهذه المجموعة من المقالات، ولم اقتنع إلا بعبارة من اللهجة العراقية المحلية، وأتمنى ان لا تُثير حفيظة المؤلف، ففي رأيي إن هذا الكتاب هو عبارة عن “گوشر سوالف حلوة”. أتمنى ومن كل قلبي مزيدا من التألق والإبداع لمناضلنا الصغير الكبير.
د. سمير جونه
3 تشرين الثاني 2024
من سلسلة آخر ما قرأت بقلم الدكتور سمير جونه
كتاب: شموع لا تُطفئها الرياح : قصص قصيرة من تلك الأيام.
تأليف: محمد حسين النجفي، دار أهوار للنشر والتوزيع، شارع المتنبي / بغداد، العراق، 178 صفحة، سنة 2023.
وصلني هذا الكتاب كهدية من المؤلف الذي تناول فيه قصص قصيرة، وهي عبارة عن مقتطفات من الاحداث اليومية التي عاشها في العراق، وهي لا تختلف عن ما مرّ به الكثير من ابناء العراق المبتلي بعصابات الحكم ان صح التعبير. هذه القصص هي نماذج او عيّنات لم تبدوا غريبة لي اذ ان الكثير منها تعرّضتُ أنا لها شخصيا في الاربع والثلاثين عاماً من عمري الذي قضيته في العراق. في الحقيقة، وانا اقرأ القصص القصيرة، تخيّلت أني احضر فلم وثائقي عن الحياة اليومية في العراق في تلك الحقبة التي خصّها المؤلف. ابتدأت بقراءة القصص ولم اترك الكتاب إلى حين انهيتُ قراءته عند الساعة الواحدة والربع فجراً.
من الصعب جداً ان يترك قارىء ذو شغف كبير وولع للقراءة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بأحداث الحياة اليومية التي دوّنت دون تزويق او مزايدة، وبإسلوب سردي من السهل الممتع، وانما دوّنت بموضوعية، وبهدف توثيق احداث الأمس التي اصبحت اليوم في طيّات النسيان. فالعودة إلى الوراء وسيلة مهمة لفرز سرد الاحداث والتخلص من الشوائب.
ابتدأت الحكاية من ايام الطفولة ثم المراهقة والشباب، ومراحل الدراسة، واخيراً كاستاذ في الجامعة المستنصرية بتفاصيل تُحاكي واقع الحال في حينها. البداية كانت عندما انتقلت عائلته من النجف الأشرف إلى الكرادة الشرقية في بغداد، حكايا الانتقال من دار إلى دار، المشاغبات في المدرسة والشارع، تبادل النظرات والإعجاب مع الجنس الاخر في زمن ساد فيه الحياء، حكايا الايمان بمبادىء سياسية معينة أدت الى الاستقطاب، والنزاعات الكلامية والجسدية.
كان المؤلف وربما لا يزال يساريُ النزعة والتي وضعته في موقف حرج مع القوميين ولا سيما البعثيين، وكان ايمانه كبير إلى درجة انه رفض الانخراط في كلية بغداد وآثر ان يبقى في الثانوية الشرقية رغم يُسر الحال، بسبب ايمانه بان كلية بغداد يديرها الآباء الامريكان وهم بذلك ضمن مخيم المستعمر !! بل تعدى الأمر إلى رفضه الدخول إلى مستشفى اهلي لغرض اجراء عملية رفع الزائدة الدودية، وآثر ان تجرى في مستشفى حكومي ليشعر بانه لا يختلف عن عامة ابناء جلدته !! “الله يساعد اهله عليه… شلع گلبهم”.
كان للعائلة محلات تجارية في سوق الشورجة حيث كان وإخوته يُعينون الوالد الذي امتهن التجارة في عمر مبكر. وهناك تعلم المؤلف “حكمة الشارع” والخبرة الكبيرة بامور الحياة الدقيقة، ساعدته فيما بعد على التعامل السوي مع الآخرين وتطوير علاقات استطاع الاستفادة منها عندما تعرض إلى تهديد او ابتزاز، وما إلى ذلك، فشبح الانتماء اليساري لاحقه حتى في دهاليز الجامعة وحرمتها.
ذكر المؤلف عدة قصص عن طلابه الذين هددوه لانه أعطاهم صفرا او طردهم بسبب الغش في الامتحانات، وحتى من زملائه التدريسيين الذين أرادوا التطفل على إنتاجه الفكري، معتمدين في تهديدهم على انتمائهم الحزبي. والنجفي يذكر كلمة حق، حيث ان المسؤولون في المواقع الإدارية تصرّفوا بكل مهنية ولم يتركوا طريقا مفتوحاً لمن يستغل موقعه للوصول الى مآرب غير عادلة.
لا اريد ان افسد نكهة قراءة الكتاب بتفاصيله ويكفي ما ذكرت عنه، ولكني احب ان أبين شيء واضح للعيان في هذا الكتاب، وهو جدلية “أيام الزمن الجميل” “وأيام الزمن القبيح”. فمن يقرأ هذا الكتاب وما يحتوية لا أظن بأنه سيستمر في وصف تلك الفترة التي طالها الكتاب “بالزمن الجميل” رغم اوضاعنا الفوضوية اليوم. فكل إنسان يواجه العالم من منظوره الخاص الذي قد يختلف عن منظور غيره. وأعتقد ان الكثير لا يدركون، وهذا ما أشار اليه المؤلف، ان الماضي ليس اجمل من اليوم بل ان اليوم هو الأتعس من الأمس.
نتمنى للمؤلف الموفقية في كل أعماله.
د. سمير جونه
2 تشرين الاول 2024
لقراءة الكتاب اضغط على الرابط ادناه:
https://mhalnajafi.org/wp-content/uploads/شموع-لا-تُطفئها-الرياح.pdf
من سلسة آخر ما قرأت بقلم الدكتور سمير جونه:
كتاب من أدب السيرة: المناضل الصغير : ذكريات مؤلمة من ايام الزمن الجميل
المؤلف: محمد حسين النجفي، عن دار أهوار للنشر والتوزيع، شارع المتنبي / بغداد ، 126 صفحة، 2023.
وصلني هذا الكتاب كهدية من المؤلف نفسه، وقد عاش تلك الاحداث التي أشار اليها من نهاية العهد الملكي وبداية النظام الجمهوري بحلول ثورة عبد الكريم قاسم حسب تعبيره. لا يخفي الكاتب اطلاقاً اّنه كان يساري النزعة ومن المؤيدين لثورة عبد الكريم قاسم وإنجازاتها، التي خدمت الإنسان العراقي البسيط ضد مصالح ارباب الملكية من المالكين والإقطاعيين، وأعادت لبسطاء الشعب البعض من حقوقه.
ثم يتناول كيف أكلت الثورة رجالها واستغل تلك الظروف القوميون والبعثيون الذي حركوا الشارع العراقي ضد عبد الكريم قاسم والتي انتهت بانقلاب شباط 1963، البوابة إلى عصر مُظلم عبث فيه الحرس القومي/ البعثي كيفما أراد وراح ضحيته آلاف العراقيين من سجن وتعذيب وقتل وتشريد، والتي لم تتوقف إلا بعد 9 أشهر بإنقلاب جزئي ضد البعثيين، اذ تم حل الحرس القومي ومساره، بينما ابقى على البعثيين العسكر في بداية الأمر، حتى انقض عليهم عبد السلام عارف.
تناول الكاتب جزء من سيرته الذاتيه كجزء من الاحداث التي مر بها، هو وعائلته، لاسيما اعتقاله لعدة مرات وهو في عمر الـخامسة عشر عاماً، اذ قضى اكثر من اربعين يوماً في المعتقل بتهمة التظاهر. يستعرض الكتاب نقاط مهمة من تاريخ العراق المعاصر كما عاشها ذاكراً اسماء كثيرة لعبوا دوراً في تلك الاحداث والتي هي غير معروفة لعامة الشعب، وهذا شيء يشكر عليه، فلا احد واسى هؤلاء الذين عُذبوا أو قتلوا بتهم زائفة لا تخرج عن حيز الاختلاف في الفكر السياسي.
من الواضح في هذا الكتاب أن المؤلف أغنانا لسرد جميل وموضوعي دون الانحياز لشخص او حزب او لفكره الذاتي، فلم يُخوّن او يقصي أحداً مع الاحتفاظ بحقه في شرح وبيان مواقفه وفكره السياسي وبأسلوب حضاري راقي يُحسب له.
ألف مبروك للأخ والصديق محمد حسين النجفي على منشوره هذا، متمنين له التوفيق دوماً وأبدا.
د. سمير جونه
31 تشرين الاول 2024
لقراءة الكتاب اضغط على الرابط ادناه:
https://mhalnajafi.org/wp-content/uploads/PDF-المناضل-الصغير.pdf
The latest I have read:
Cheeq- Chaq and the jumpy rabbit.
A Children story written by my friend Mohammad H Al-Najafi.
This story is amazing. The narrative is easy to fathom and it flows like breeze even for a child. It easily captures the child’s attention. I can easily imagine a parent reading the story while the child drifts into sleep.
The story is printed on a beautiful pages filled with vibrant colors, and catchy drawings that brings the smile on every child’s face.
Another beautiful story that can be added to bedtime stories in every young family.
انقسم العالم الى معسكرين بعد الحرب العالمية الثانية، الأول المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، والثاني المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي ودول اوروبا الشرقية. اما دول العالم الثالث (النامية) الغير مرتبطة بحلف وارشو او الحلف الأطلسي، فإنها وحدت نفسها بما يسمى منظمة دول عدم الانحياز التي تأسست في مدينة باندونغ، إندونيسيا في عام 1955، بقيادة نهرو وسوكارنو وعبد الناصر. إلا ان حقيقة الأمر لم تكن هذه الدول غير منحازة كلياً. فمنهم من له علاقة وثيقة بالمعسكر الشرقي مثل الهند وإندونيسيا ومصر، ومنهم من له علاقة متينة مع المعسكر الغربي مثل تركيا وإيران والسعودية والكويت والبحرين. كانت هذه الدول النامية تعتمد على حاميها في كلتا المعسكرين، حتى وإن لم يكن هناك تحالف رسمي موقع من قبل الطرفين. فحينما رفض صندوق النقد الدولي تمويل بناء السد العالي في مصر تقدم السوفييت ومولوا وبنوا السد العالي دون شروط مالية او سياسية. وحينما احتل صدام الكويت عام 1990 انبرى المعسكر الغربي بقيادة امريكا لتحرير الكويت، ولم يكن هناك من تحالف عسكري وانما تبعية سياسية.
إلا انه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وجدار برلين مطلع تسعينات القرن المنصرم، أضحت الدول النامية المعتمدة على السوفييت في حمايتهم وتسليحهم وتنمية اقتصادهم، في حيرة من امرها بعد انعدام توازن القوى وانفراد قوة عظمى واحدة في السيطرة على العالم. وبذلك خضعت كل دول عدم الانحياز الى الشروط الغربية في التنمية وعدم الاصطدام مع الولايات المتحدة في سياستها الخارجية.
تغير العالم بعد صعود بوتن لدفة الحكم في روسيا الاتحادية عام 2000، ووصول شي جي بينغ عام 2012 وتطوير الحزب الشيوعي الصيني من سياساته وتحوله لاقتصاد السوق. روسيا بقيادة بوتن اعادت بناء اقتصادها الوطني وابعدت المستشارين الأمريكان، وتدريجيا قامت بتطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول العالم الثالث التي كانت لها علاقات حميمة معها اثناء فترة الاتحاد السوفيتي وتطوير علاقتهم تدريجياً معهم، وسوريا خير مثال على ذلك.
هناك توافق وتحالف ضمني بين روسيا الاتحادية والصين الشعبية على منافسة المعسكر الغربي الذي لازال قائما (حتى لو كان في مرحلة التراجع) بالرغم من انحلال المعسكر الشرقي المنافس. هذا التوافق واضح جداً في قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن واستعمالهم لحق النقض لحماية الدول الضعيفة.
مقال ذو علاقة اضغط على الرابط ادناه:
The Death of Superpowers
محمد حسين النجفي
[email protected]
أعيدت كتابته 28 أيلول 2024
آذار 24، 2020
كما نُشرت في صحيفة طريق الشعب صفحة 9 العدد 143 السنة 89 الثلاثاء 30 تموز 2024
الأستاذ والصحفي والمناضل: أبو سعيد أنموذجاً
سمعنا بعض الطلبة يتحدثون فيما بينهم، من ان استاذاً جديداً سيُدرسنا المواد العلمية للصف الثالث المتوسط في المتوسطة الشرقية في الكرادة الشرقية. كان ذلك في بداية النصف الثاني من العام الدراسي 1962/1961، قالوا ان اسمه “عبد الجبار وهبي”، وهو شيوعي قيادي، وسوف يستهزؤون به ويسخرون منه قبل وبعد المحاضرات وأثناءها. من هو عبد الجبار وهبي! لم نعلم بشخص بهذا الاسم. جاءنا الزميل مناضل فاضل عباس المهداوي في اليوم الثاني بالخبر اليقين، وقال انه “أبو سعيد”! الكل يعرف أبو سعيد، وان كان عمرنا آن ذاك ثلاث أو أربع عشرة سنة، إلا أننا كنا نقرأ الكتب والمجلات والصحف وخاصة صحيفة “أتحاد الشعب” وأول ما نقرأه فيها هو عمود “كلمة اليوم” في الصفحة الثامنة وهي آخر صفحة، الذي يحلل فيه الصحفي الساخر والذي يكتب مقاله على شكل حتوته يحاكي فيها مشكلة او معاناة او آفة اجتماعية او تقاليد بالية او نقد سياسي بدون مجاملة، بأسلوب سلس ولاذع وممتع في آن واحد وتحت اسم مستعار “أبو سعيد”.
أُغلقتْ صحيفة “اتحاد الشعب” في آذار من عام 1960، اعقبها اعتقال رئيس التحرير عبد القادر اسماعيل البستاني واعتقال عبد الجبار وهبي (أبو سعيد) ثم ابعاده الى مدينة الرمادي تحت الإقامة الجبريَّة. وبعد انتهاء محكوميته، نُسب الى مدرستنا، المتوسطة الشرقية لتدريس العلوم لأنه اصلاً من الطلاب المتفوقين الذي حصل على بعثة للحصول على بكالوريوس علوم من الجامعة الامريكية في بيروت.
كُنت في ذلك العام الدراسي في اوج نشاطي السياسي، لذا كنت راسباً في ثلاث مواد علمية، وبالتالي سوف لن يسمح لي بدخول امتحان بكلوريا الثالث متوسط، إلا ان قدوم أبو سعيد الصحفي الذي كنا نقرأ عموده كل يوم، غيّر المقاييس كلها، فكيف لي أن أكون كسولاً واستاذي أبو سعيد! فمثلما هيأ البعثيون أنفسهم لاستفزاز الاستاذ عبد الجبار وهبي، تهيأنا انا ومناضل وآخرين للوقوف بوجههم ولصد استفزازاتهم الوقحة.
وأخيراً جاء اليوم الأول لحضور الأستاذ عبد الجبار وهبي الى الصف بعد انتظار مقلق. كان مشهداً لا يوصف، أستاذ في منتهى الهندام، انيق دون مبالغة، لا تسمع أصوات خطواته لكياستها، قصير القامة نحيف البدن ذو رأس مُثلث كبير الحجم نسبياً، يملأ وجهه نظارات طبية مبالغ في حجمها. دخل الصف من وسطه وكأنه ملاكٌ ذو سطوة ساحرة، دخل في الدرس مباشرة وإذا بمادة العلوم الجافة تتحول بالطريقة التي يشرحها لنا كأنها حكاية، نستمع اليها بشغف وخشوع وكأننا في كنيسة نستمع فيها الى تراتيل كاثوليكية باللغة اللاتينية في الفاتيكان، الصف كله آذان صاغية له، لم يجرئ أحد مهما كانت وقاحته ان يكسر حاجز الوقار الذي يملكه هذا الإنسان الذي بدى لنا في حينه انه من غير كوكبنا. أُعتقل في العهد الملكي والعهد القاسمي، واعتقل بعد حركة 8 شباط 1963 الدموية، وعُذِّبَ وقُطِّعَ جسدُهُ في قصر النهاية وهو حيٌّ وبشهود عيان, وأعلن عن استشهاده مع رفاقه محمد صالح العبلي وجمال الحيدري في 19 تموز 1963. وهم خير ما تنطبق عليهم هذه الأبيات من قصيدة مفاتيح المستقبل للعظيم محمد مهدي الجواهري:
نم قرير العين استاذي، فبعد ستون عاماً على رحيلك مازلنا كما تركتنا، نناضل بلا هوادة، نُضطهدُ بلا ملل او كلل، وما زلنا مخلصين لأفكارنا بسذاجة، ومعذرةً منك ومن كل الشهداء لأننا لم ننتقم لكم ولم نثأر لمظلوميتكم، ولم نُحاسب مُعذبيكم ولم نُشتكِ عليهم في المحاكم المحلية او المحافل الدولية، ولم نقاطع جلاديكم، ولم نسجل دعوى عليهم في مراكز الشرطة او في مضايف العشائر ولا حتى عند المراجع العظام. هُدر دمكم وهُتك عرضكم وسُلب مالكم تحت أنظار أعيان القوم ورؤساء العشائر وقراء المنابر لمدة تسعين عاماً ونيف ولازال، ولازالت مطاحن الأنذال تطحن بنا وما زلنا نغني لشعبنا أنشودة حب ابدي لوطن لازال ليس حُراً ولشعب ليس سعيداً، إلا اننا ما زلنا نستذكركم بيننا أستاذي، نحن بقايا زمن نضالكم المُشرف.
محمد حسين النجفي
31 تموز 2024
الدكتورعلي إبراهيم الناقد الادبي، يقدم قراءة نقدية سياسية تفصيلية لكتاب “صفحات لا تُطوى” لمحمد حسين النجفي ،
على الصفحة السابعة من صحيفة طريق الشعب الغراء العدد 138 السنة 89، 16 تموز :2024:
“وجدت في هذه المقالات كثيرا من الأفكار والمقترحات المهمة جدا…
وأحترم كل الآراء والأفكار والمقترحات بغض النظر عن اختلافي أو اتفاقي معها …
أجد من الضروري قراءة هذا الكتاب من قبل كل الحريصين على مستقبل العراق السياسي.“
أضغط على الرابط أدناه لقراءة النص كاملاً
طريق الشعب
كما نشرت في الحوار المتمدن العدد 8036 بتاريخ 2024/7/12
حركة 14 تموز 1958: ثورة شعبية أم أنقلاب عسكري
مقدمة نظرية:
ليس هدف هذا البحث تمجيد حركة 14 تموز 1958 أو ذمها، ليس الهدف الدفاع عنها او استنكارها، إنما غاية هذا البحث هو تقييم هذه الحركة من حيث موقعها من التاريخ، هل انها كانت مجرد انقلاب عسكري أدى الى تغيير لبعض رموز السلطة، اما انها كانت حدثاً سياسياً واجتماعياً شاملاً لشتى نواحي الحياة في الدولة العراقية. ولكي نستطيع ربط احداث تموز ومنحها التسميات المناسبة لابد لنا من الرجوع الى تعريف مسميات الثورة والانقلاب وغيرها من التسميات، ومحاولة فهم الفارق بينهما من خلال عرض لبعض النماذج التأريخية ومقارنتها بأحداث تموز 1958.
ما بين الانقلاب والثورة، هناك الكثير من المصطلحات السياسية التي تستخدم في محلها واحياناً في غير محلها. فعلا سبيل المثال إذا كان المتحدث يتفاعل مع الحدث ايجابياً يسميه ثورة ويطلق على القائمين به لقب الثوار. وان كان يعارض الحدث يسميه انقلاب او مؤامرة او تمرد، ويمنح القائمين به شتى النعوت السلبية. وسنحاول قدر الإمكان التجرد عن المشاعر والانتماء، ولو لحين كي نفهم حركة 14 من تموز عام 1958. وقبل ان نُعرف معنى الثورة والانقلاب دعونا نجري مسحاً لمصطلحات عديدة ضمن هذا المجال:
ولنبدأ بمصطلح: انتفاضة او وثبة فهي تعني هبة الجماهير ضد السلطة لتحقيق مطلب معين او لاستنكار قرار قانون حكومي تعسفي. مثال ذلك وثبة كانون الثاني عام 1948 ضد معاهدة بورت سموث، وانتفاضة تشرين عام 1952 ضد الملكية تضمنت اضراب عمال موانئ البصرة وطلاب صيدلة جامعة بغداد.
الاصطلاح الآخر هو الأضراب: أي التعطيل عن العمل سواء كلياً او جزئياً، لمدة محدودة او لحين تحقيق المطالب، مثال اضراب سائقي السيارات وما سميّ اضراب البنزين نتيجة رفع الحكومة سعر البنزين عام 1962. مثال آخر اضراب عمال السكاير عام 1959 لتحسين ظروفهم المادية وظروف العمل.
العصيان والتمرد كلمتان متقاربتان عادة تطلق هذه التسميات على الأشخاص او المجموعات التي تتمرد او تعصي الانصياع لأوامر السلطة، مثلاً أطلقت كلمة العصاة على قوات البيشمركة من قبل السلطة في بغداد، بينما هم يسمون أنفسهم ثوار.
وتطلق كلمة مؤامرة ومتآمرين على ثوار او انقلابيين حينما تفشل حركتهم، على سبيل المثال مؤامرة الشواف عام 1959، ومحاولتي عارف عبد الرزاق الانقلابية حينما كان رئيساً للوزراء.
الانقلاب: تعرف ويكيبديا الانقلاب على انه السيطرة وازالة الحكومة من السلطة. وعادة يكون الاستئثار بالسلطة بشكل غير قانوني، من قِبل مجموعة سياسية او قوى متمردة او ديكتاتور. ويعتبر الانقلاب ناجحاً إذا مسك السلطة لمدة أسبوع. اما يور دكشنري فيعرف الانقلاب على انه تغير مفاجئ وسريع للقيادة في السلطة. وأفضل امثلة على ذلك انقلاب بكر صدقي عام 1936، انقلاب عبد السلام عارف 18 تشرين 1963، وانقلابي 17- 30 تموز 1969. ومن أنواع الانقلابات: انقلاب عسكري، انقلاب دستوري مثل ما يحدث في تونس (قيس سعيد) وانقلاب قصر مثل ما يحدث في السعودية ودول الخليج.
إذن لم يبقى لنا سوى ان نعرف الثورة: تعرف ويكيبيديا الثورة من انها تعني تغيير جذري وفوري في السلطة السياسية، التي عادةً تحدث حينما تتمرد الجماهير على السلطة بسبب اضطهادها لها او بسبب عدم كفاءتها. والثورات تحدث في كل الأزمنة وبمختلف الطرق والظروف والدوافع السياسية. وتكون مصحوبة عادة بتغيير جوهري في الطروحات الاجتماعية والسياسية كرد فعل للمعاناة من سلطة الحاكم المطلق. ومن بين اهم الأمثلة المتفق عليها على الثورة هي: الثورة الأمريكية (1775-1783)، الثورة الفرنسية (1799-1789)، الثورة البلشفية (1917)، الثورة الصينية (1940’ s)، الثورة الكوبية (1959)، الثورة الإيرانية (1979).
أما شارلس تيلي Charles Tilly، الباحث المعاصر في مفهوم الثورات فإنه يرى ان الانقلاب هو تغيير فوقي للسلطة، اما الثورة وخاصة الثورة العظيمة The Great Revolution، فهي الحركة التي تؤدي الى تحولات اجتماعية واقتصادية جذرية، مصحوبة بتغيير في طبيعة المؤسسات السياسية، ويضرب بذلك مثلاً الثورة الفرنسية والبلشفية والإيرانية.
اما مفهوم الثورة بالمعنى الماركسي فإنها كما يقول لينين “هدم بالعنف لبناء فوقي سياسي قديم ولى عهدهُ، وأدى تناقضه مع علاقات الإنتاج الجديدة، في لحظة معينة الى افلاسه” (لينين: خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية، ص 206). وتحقيق “الهدم “هنا مشروط بوجود حزب بروليتاري يقودها. ووفق القانون الماركسي فإن الثورة تعني القطع مع النمط الاقتصادي الاجتماعي القائم، وتأسيس نمط جديد (سلامة كيلة: الثورة في الماركسية).
برز تفسير في القرن التاسع عشر بين الأحزاب اليسارية ومفكريها، وتبلور وتحدد فيما بعد في إطار النظرية “الماركسية اللينينية” وعرف بـ “التفسير المادي للتاريخ” وينطلق هذا التفسير من ان الثورات تحدث نتيجة وجود مقدمات وشروط محددة تبرز في إطار تطور المجتمع، تؤدي إلى وجود تناقضات أساسية تتحدد في التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج، وشكل التملك الاحتكاري الخاص. ويؤدي ذلك إلى اتساع الشعور بالظلم والاستغلال الذي يمارس من قبل فئة قليلة مالكة ضد بقية فئات الشعب. وتؤدي هذه التناقضات إلى «أزمة سياسية» عميقة، تحمل معها نشوء حالة «ثورية» تتجسد بنشاط الجماهير السياسي الواسع من خلال التمرد على الواقع بأشكال ومظاهر متعددة مثل الاضطرابات، والمظاهرات والاجتماعات والانقلابات (التفسير النقدي الارتقائي المتفائل (موقع المعرفة www.marefa.org.).
إنَّ الحالة الثورية هي تعبير عن التناقضات الموجودة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بل هي ذروة تفاقمها. وفي معرض الحديث عن أسباب الثورة، ذكر ماركس في مقدمته «مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي» أنه في مرحلة معينة من تطور المجتمع تدخل القوى المنتجة في تناقض مع العلاقات الإنتاجية، التي كانت حتى ذلك الحين تتطور في إطارها. وتتحول هذه العلاقات المختلفة من صيغة لتطور القوى المنتجة إلى عوامل معوقة لتطوّرها، وعندئذٍ يحصل عصر الثورة. وعليه فإن الصراع بين القوى المنتجة الجديدة وبين العلاقات الإنتاجية القديمة يشكل الأساس الموضوعي الاقتصادي للثورة. وإنَّ تصفية العلاقات الإنتاجية القديمة، واستبدالها بعلاقات جديدة، لا تحدث تلقائيَّاً وإنَّما من خلال توحيد القوى التقدمية كافة التي تعمل على إنهاء النظام الاجتماعي القديم.
وتشير النظرية “الماركسية اللينينية” إلى أهمية الحزب الثوري ودوره في توحيد القوى الثورية وتنظيمها، وأهمية العوامل الذاتية في توعية الجماهير وقيادتها. وتشكل وحدة الظروف الموضوعية والذاتية، عند لينين، القانون الأساسي للثورة. والثورة تحلّ جملة من القضايا المتعلقة بالتغيير الاجتماعي، إنَّها تهدم القديم وتبني الجديد. ومن القضايا الهامة والبارزة التي تواجهها الثورة هي «قضية انتقال السلطة إلى أيدي الطبقة الثورية». وكما يرى لينين فإن سلطة الدولة هي المسألة الرئيسية في أية ثورة. ويرتبط ذلك بجوهر الدولة، بوصفها أداة خاصة أقامتها الطبقة الحاكمة، كوسيلة للسيطرة والتحكم والحفاظ على النظام القائم. ويرتبط بالمهام التي يترتب على الثورة تنفيذها، من خلال مقاومة القوى الاجتماعية المالكة السابقة. ونتيجة ذلك تركز «الماركسية اللينينية» على أهمية الفهم الصحيح للعلاقة بين «الثورة والسلطة». فالثورة مقدمة ووسيلة لاستلام السلطة. واستلام السلطة شرط ضروري للتغييرات الجذرية التي يجب تحقيقها في المجتمع من خلال السلطة الجديدة التي تجسد مصلحة الجماهير وتعمل لتحقيق أهدافها.
ورأى لينين فيما بعد أن السيطرة الاستعمارية وما يرافقها من نهب واستغلال للشعوب المستعمرة يمكن أن تشكل مقدمات لقيام ثورات وطنية ذات طابع تحرري ضد الدول الاستعمارية. وعرفت هذه الثورات بـ«ثورات التحرر الوطنية». وأن المرحلة الإمبريالية لابد أن تؤدي إلى توسيع هذه الثورات، وبالتالي إلى حتميتها أيضاً، وحتمية حروب الطبقة العاملة ضدَّ «الطبقة البرجوازية»، وحتمية الجمع بين كلا هذين النوعين من الحروب الثورية.
نماذج منتخبة من التجارب العالمية
الثورة الفرنسية (5 مايو 1789 – 14 يوليو 1799):
تعتبر الثورة الفرنسية أم الثورات ونموذجاً رائداً يتغنى به الثوريون والليبراليون والعلمانيون، لأنها لم تكن عبارة عن تغيير اشخاص العائلة المالكة، انما أحدثت تغييرات سياسية اقتصادية واجتماعية، وتركت طابعها الأبدي على البشرية. سبق الثورة الفرنسية سبع سنوات من الحروب القاسية على القوات الفرنسية وخسارتها الفادحة. أدى ذلك الى تضخم الدين العام وزيادة الضرائب على الملاكين والمواطنين لتغطيته، مما خلق تذمر تحول الى اضطرابات اجتماعية وسياسية. تفاعل الجوع والبؤس في الأحياء الفقيرة من باريس، مما دفع الجماهير للهجوم على قلاع سجن الباستيل يوم 14 تموز 1789، وكان ذلك بداية الثورة الفرنسية.
أعقب ذلك مسيرة النساء الساخطات اللاتي قررنا الزحف الى قصر فرساي حاملين سكاكين مطبخية وكل ما يستطيعون لإرغام الملك لويس السادس عشر للعودة الى باريس لأداره الشؤون بشكل مباشر. لم يستطع لويس السادس عشر من السيطرة على الأوضاع المضطربة او تلبية احتياجات الجماهير الهاجة التي أسقطت الملكية المطلقة وأعلنت قيام الجمهورية في سبتمبر عام 1792 وإعدام لويس السادس عشر وعائلته في شهر كانون الثاني من عام 1793.
بعد ذلك سيطر روبسبير واليعاقبة عامي 1793 و1974 لتشهد فرنسا فترة إرهاب واعدامات في المحاكم الثورية التي راح ضحيتها ما بين 16,000 الى 40,000. اهم منجزات الثورة الفرنسية هي الغائها للملكية المطلقة وتأسيس النظام الجمهوري، وإلغاء الأقطاع والامتيازات الخاصة، وفصل الدين عن الدولة، وإعلان لائحة حقوق الأنسان التي شملت النساء والعبيد. وعلى الرغم من انها ابتدأت بتحالف البورجوازية مع العمال والمعدمين، إلا انها انتهت بسيطرة البورجوازية بالتحالف مع نابليون بونابرت.
كومونة باريس:
ابتدأت الثورة الفرنسيّة بتحالف البورجوازية مع العمال والمُعدمين، وانتهت بسيطرة البورجوازية بالتحالف مع نابليون بونابرت. أعقب ذلك ثورة أخرى هي “كومونة باريس” التي حدثت نتيجة لخسارة نابليون الثالث الحرب مع بروسيا ودخول الجيش البروسي واحتلال باريس. وتعتبر كومونة باريس أول ثورة اشتراكية.
الثورة البلشفيَّة في روسيا (أكتوبر 1917):
من بين اهم الأحداث التي سبقت ثورة أكتوبر هو دخول روسيا في حرب مع اليابان عام 1904، كانت نتيجتها خسارة فادحة للأسطول البحري الروسي. أعقب ذلك ما يعرف بالأحد الدامي، حيث تمّ إطلاق النار على مسيرة سلميَّة مطلبيَّة متوجّهة لقصر الشتاء في سانت بطرسبرغ، بتاريخ 22 شباط 1905، مما أدى إلى سقوط المئات ويقال الآلاف بين قتيل وجريح. تبع ذلك نجاح ثورة 23 شباط 1905، وإرغام القيصر نيقولا الثاني على قبول المشاركة في الحكم وضمان بعض الحريّات المدنيَّة.
كان لاندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 وتَكَبُّدُ روسيا خسائرَ فادحة بلغت بحدود المليون وستمئة ألف قتيل ونحو مليوني أسير، دور كبير لتدهور الأوضاع السياسية والمعيشية، مما أدى الى العديد من الاضطرابات من بينها، مغادرة 90,000 امرأة عاملة يوم عيد الأم 23 شباط 1917 المصانع في بترو غراد ودخولهن الشوارع باتجاه القصر الشتوي يهتفن بـ “الخبز” و”أوقفوا الحرب” و”تسقط الأوتوقراطية”، في وقت كان معظم الرجال يحاربون في الجبهة. أعقب ذلك في اليوم التالي 24 شباط 1917، خروج نحو 150,000 رجل وامرأة لنفس السبب، مما أدى الى تمرّد بعض رجالات الشرطة والجيش وانضمامهم للمتظاهرين، وجد القيصر نيقولا الثاني مرغماً للتنازل عن الحكم يوم 13 آذار 1917.
تشكلت بعد ذلك حكومة مؤقتة برئاسة كيرنسكي، ألغت أحكام الإعدام وأطلقت سراح السجناء، وعفت عن المنفيين ومنهم “لينين”، الذي لم يُضع وقتاً وعاد من منفاه في زيورخ الى بترو غراد يوم 3 نيسان 1917 مستقبَلاً من قبل آلاف العمال والجنود. اكتسح البلاشفة يوم 31 آب انتخابات العمال في معظم المدن الصناعيّة، حيث بدأت الإضرابات العماليَّة. رفض “لينين” سلطة الحكومة المؤقتة برئاسة “ألكسندر كيرنسكي”.
تحولت الاضطرابات العمالية الى تحركات قام بها الجنود وبعض الضباط وسيطروا على الطرَّاد “أورورا” وإعدام قبطانه يوم 24 اكتوبر 1917. تحول ذلك الى ثورة مسلحة يوم 25 أكتوبر 1917 بسيطرة العمال والجنود على جميع مدن بترو غراد الحيويَّة ما عدا قصر الشتاء. خُتمت الاحداث بقصف الطرَّاد “اورورا” قصر الشتاء، وإعدام القيصر نيقولا الثاني وجميع أفراد عائلته بضمنهم المرافقون والخدم يومي 16-17 تموز 1918.
أهم إنجازات ثورة أكتوبر كانت إسقاط النظام القيصري الإقطاعي، وتأسيس نظام جمهوري شعبي، يطمح لبناء مجتمع اشتراكي. تُوجَّتْ ثورة أكتوبر بتأسيس الاتحاد السوفيتي الذي دام أكثر من سبعين عاماً.
حركة بكر صدقي (العراق) (1936- 1937):
إبّان الحرب العالميَّة الثانية واحتدام الصراع بين دول المحور بقيادة ألمانيا النازيَّة، وبين دول الحلفاء متجسّدة ببريطانيا وأمريكا والاتحاد السوفيتي، حدث صراعٌ في العراق بين الملك غازي وبين مُوالي الإنكليز في العراق متمثلاً بعبد الإله ونوري السعيد.
أول انقلاب في الدول العربيَّة حصل في العراق على يد الفريق الركن بكر صدقي يوم 29 تشرين الأول 1936، وشاركه العقيد محمّد علي جواد قائد القوة الجويّة وعبد اللطيف النوري، مستفيدين من ميل الملك غازي نحو ألمانيا. هدف الحركة إسقاط وزارة “ياسين الهاشمي” وإضعاف نفوذ نوري السعيد والإنكليز.
بيان الحركة: أيّها الشعب العراقي الكريم: لقد نفد صبر الجيش المؤلف من أبنائكم، من الحالة التي تعانونها، من جراء اهتمام الحكومة الحاضرة لمصالحها وغاياتها الشخصية، من دون أن تكترث لصالحكم ورفاهكم. نطلب الى صاحب الجلالة الملك المعظّم إقالة الوزارة القائمة، وتأليف وزارة من أبناء الشعب المخلصين.
توقيع: قائد القوة الوطنيّة الإصلاحيّة: الفريق بكر صدقي العسكري
تبع ذلك اغتيال جعفر العسكري وزير الدفاع وصهر نوري السعيد، وهو من المقرَّبين جدَّاً للملك فيصل الأول من قبل الحركة. أقال الملك غازي ياسين الهاشمي وكلَّفَ “حكمت سُليمان” لرئاسة الوزارة، بالاتفاق مع بكر صدقي الذي أصبح رئيساً لأركان الجيش. ضمّت الوزارة: صالح جبر للعدليَّة، ناجي الأصيل للخارجيَّة، كامل الجادرجي للاقتصاد والمواصلات، يوسف إبراهيم للمعارف، جعفر أبو التمن للماليَّة.
لم يمض وقت طويل حتى تمّ اغتيال بكر صدقي ومحمد علي جواد في الموصل قبل سفرهما إلى تركيا عام 1937. بكر صدقي معروفٌ بقسوته تجاه اللاجئين الآشوريين من سوريا عام 1933، وضد عشائر الفرات الأوسط عام 1935، وضد حركة البرزانيين. انتهت الحركة من دون تغيير يُذكر في الهيكل الأساسي للدولة أو في سياساتها العامة.
حركة رشيد عالي الكيلاني (العراق) (شباط – أيار 1941):
استمراراً للحرب العالمية الثانية واحتدام الصراع بين دول المحور بقيادة ألمانيا النازيّة، وبين دول الحلفاء متجسّدة ببريطانيا وأمريكا والاتحاد السوفيتي، وضمن هذه الظروف تحرّكت مجموعة من الضباط المعادين للإنكليز وعبد الإله ونوري السعيد، شارك فيها: حسين فهمي رئيس أركان الجيش، العقداء الأربعة: صلاح الدين الصبَّاغ، فهمي سعيد، كامل شبيب، محمود سلمان في شباط من عام 1941. أحاطت قطعات عسكرية القصر الملكي وأُجبر رئيس الوزراء طه الهاشمي على الاستقالة. تمَّ تشكيل وزارة إنقاذ برئاسة رشيد عالي الكيلاني من دون تكليف من الوصي عبد الإله.
أدى ذلك إلى هروب نوري السعيد إلى الأردن، وهروب عبد الإله إلى البصرة ثم نقله الإنكليز إلى عَمّان. ألغى البرلمان وصاية عبد الإله وعَيَّنَ “الشريف شرف” وهو من العائلة المالكة، وصيَّاً على الملك بدلاً عنه. انتهت الحركة بتدخّل عسكري بريطاني، وجرت معارك غير متكافئة في الشعيبة والحبانيَّة. أدى ذلك إلى هروب رشيد عالي الكيلاني وأتباعه إلى إيران.
أعقب ذلك فراغٌ أمنيٌّ في بغداد، حيث استفاد من ذلك الغوغاء يوم 1 حزيران 1941 إذ قاموا بإحداث ما يسمى بـ “فرهود اليهود” الذي قُتل فيه 179 وجرح 2118 أثناء عمليات سلب ونهب بيوت ومحلات اليهود، وقيل إنّها شَمِلَتْ غير اليهود أيضاً. تمَّ اعتقال العُقداء وجرى إعدامهم علناً في مناطق رئيسة ومتفرقة من مدينة بغداد، وتُركتْ أجسادهم معلَّقةً لساعات ممّا أثار حنق العسكر على الوصي ونوري السعيد.
الثورة المصريَّة (23 يوليو “تموز” 1952):
طبيعة الظروف السياسية والاقتصادية التي سبقت الثورة: حكمٌ ملكيٌّ تابعٌ بشكلٍ وآخر للإمبراطوريّة البريطانيّة، خلافاتٌ سياسيّة بين الوفديين والسعديين والبلاط الملكي والشعب المصري، وجود معارضة سريَّة يقودها حزبان متناقضان “الاخوان المسلمين” و “الشيوعيون المصريون”. نمو طبقة مثقفة من الأدباء والفنانين والجامعيين المصريين، مصحوباً بنمو الروح الوطنيّة والقوميّة لدى الضباط المصريين الذين ينحدر معظمهم من عائلات فقيرة. نتائج الحرب العربيّة الإسرائيليّة عام 1948 ونكبة فلسطين، وتجهيز الجيش المصري بالأسلحة الفاسدة كانت عاملاً أساسيّاً في نقمة الضباط الأحرار على الملك فاروق والإنكليز.
ابتدأت الثورة بتحرّك مجموعة من الضباط الأحرار وسيطرتهم على مقاليد الحكم يوم 23 يوليو “تموز” 1952. أُذِيْعَ البيانُ الأولُ بصوت “محمد أنور السادات”. لم يحدث أيُّ صِدامٍ عسكريٍّ، وكان انقلاباً أبيض. قاد الحركة مجلس قيادة ثورة من 13 ضابطاً برئاسة اللواء “محمد نجيب”. أُجْبِرَ الملكُ فاروق على التنازل عن العرش لولي العهد “أحمد فؤاد”. أُلغيت الملكيّة وأُعلنت الجمهوريّة يوم 18 يونيو “حزيران” 1953. بروز شخصية “جمال عبد الناصر” من بين الضباط الأحرار.
من بين اهم اهداف الثورة المصرية، مناهضتها للاستعمار، وإقامة جيش وطني قوي، والقضاء على الإقطاع، وتحقيق العدالة الاجتماعيّة، وإقامة حياة ديمقراطيّة. كان من أهم إنجازاتها: الإصلاح الزراعي وإعادة توزيع الأراضي، إجلاء القوات الأجنبيّة وتأميم قناة السويس، وبناء السد العالي ومجانيَّة التعليم بجميع مراحله.
تقييم التجارب العالميَّة:
التجـــــــــربة العـــــــراقية
العراق قبل تموز 1958 (العهد الملكي: 1921-1958):
اتسمت الأوضاع السياسية طيلت تلك الفترة بسيطرة القوات البريطانية على سيادة العراق، وهيمنة نوري السعيد وعبد الإله على الأوضاع السياسية، ودخول العراق في حلف بغداد 1955. أما النظام برلماني نتائجه مسيطر عليها باعتماد دوائر انتخابيه متحكم بها، والحرية السياسية محدودة لبعض الأحزاب السياسية المعتدلة مثل حزب الاستقلال والحزب الوطني الديمقراطي، واحزاب يسارية محدودة الحرية مثل حزب الشعب لعزيز شريف وحزب الاتحاد الوطني لعبد الفتاح إبراهيم، أما الحزب الشيوعي فكان دوره بارزاً في النشاطات السياسية المعادية للسلطة وبرز ذلك بوضوح في انتفاضة تشرين 1952 ووثبة كانون الثاني 1948 (معاهدة بورت سموث). توجت أحزاب المعارضة العراقية نشاطها بتكوين جبهة الاتحاد الوطني عام 1957 التي كانت على اتصال بتنظيم الضباط الأحرار.
أما الأوضاع الاقتصادية فكانت تحت سيطرة وهيمنة الشركات الإنكليزية على مصادر الثروة النفطية، وتبعية العملة العراقية لنظام الإسترليني. أما الاقتصاد الزراعي فكان تحت هيمنة الأقطاع وكبار الملاك الذين يملكون 75% من الأراضي الزراعية، ولم تكن حصة المزارعين تتجاوز الـ 30 % من المحصول الزراعي. إيجابياً كان قد بدأ مجلس الأعمار بخطة واسعة تتضمن مشاريع البنى التحتية مثل سدة الثرثار وبحيرة الحبانية ومشروع المسيب الكبير.
اجتماعيا كان هناك تطور في المدن مما أدى الى نمو الطبقة الوسطى وجيل من المثقفين، اما الريف الذي كان يعاني من قهر وظلم الاقطاع واستقوائهم بقانون العشائر، الذي أدى الى هجرة الايدي العاملة من جنوب العراق الى بغداد وتكوين عشوائيات سكان الصرائف. أما الأحوال المدنية فكانت مرهونة فقط بتفسير رجال الدين.
القوات المسلحة وحركة الضباط الأحرار:
كانت المراتب العليا في الجيش موالية للملك ولنوري باشا وللإنكليز، أما المراتب الوسطى والدنيا فكان ولاءهم للوطن ويرومون التغيير. وقد تأثر الجيل الجديد من الضباط بما يلي:
كل ذلك أدى الى تكوين عدة تنظيمات عسكرية سرية تروم اسقاط الملكية وتأسيس حكم جمهوري مستقل عن المملكة المتحدة. توحدت كل هذه التنظيمات في تجمع سري واحد تحت قيادة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم وحوالي ثلاثمائة ضابط في كل أصناف القوات المسلحة العراقية.
كان تنظيم الضباط الاحرار على اتصال مستمر بشخصيات من تنظيم جبهة الاتحاد الوطني وخاصة بالحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي العراقي، والذين ابلغا بموعد قيام الحركة بعدة أيام.
حركة 14 تموز 1958 واهم منجزاتها:
لم تكتفي حركة 14 تموز 1958 بتغيير الهيكل السياسي العام من حكم ملكي دستوري، الى حكم جمهوري، إنما سنت تشريعات وقوانين وبرامج غيرت جذرياً الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومنها:
الخلاصة والاستنتاجات:
يشير الكاتب د. عبد الخالق حسين في كتابه ثورة وزعيم من ان المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون قال ان: ” ثورة 14 تموز العراقية ھي الثورة الوحيدة في العالم العربي “. أما حنا بطاطو فيقول ” أننا امام ثورة اصيلة، ليس لأنها اضعفت النفوذ الغربي فقط، وإنما لأنها “دمرت لحد كبير السلطة الاجتماعية لأكبر مُلاكي الأراضي، وعززت موقع العمال والشرائح الوسطى والدنيا في المدن، ولإلغائها نظام النزاعات القبلية وإدخال الريف في صلب القانون الوطني. ويرى إسماعيل العارف أن “عبد الكريم قاسم شخصية قيادية فذة، وتجربته هي إحدى اغنى التجارب الثورية في العالم الثالث”.
ويرى الباحث نتيجة المعايشة، ودراسة المفاهيم والمقارنات العالمية من ان: “حركة 14 تموز 1958 أقرب الى ان تكون ثورة شعبية منها الى انقلاب عسكري، بالمقارنة مع الثورة المصرية عام 1952. وقد استمدت شرعيتها الثورية عن طريق التنسيق مع عموم المعارضة ابان العهد الملكي متمثلةً بـ “جبهة الاتحاد الوطني” ببرامجها وقياداتها واعضائها، وبالمشاركة الشعبية العفوية والتأييد الواسع من قبل الجماهير، ومن التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي احدثتها.
إلا ان ثورة 14 تموز 1958 لم ترقى لتكون “الثورة العظيمة” كما تحدث عنها شارس تيلي التي من المفروض ان تؤدي الى تحولات جذرية للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية، المصحوبةً بتغيير شامل في طبيعة المؤسسات السياسية. وهي ليست ثورة بالمفهوم الماركسي، لأنها لم تقم بناء على صراع طبقي مسبق، ولم يكن هدفها إزالة الفوارق الطبقية او بناء مجتمع اشتراكي، ولم يقودها حزب بروليتاري. وبالتالي فهي ثورة تحرر وطني متكاملة شارك فيها الجيش والشعب، هدفها الأساس تحرير العراق من النفوذ الأجنبي وبناء اقتصاد وطني مستقل، وتحقيق إصلاحات اجتماعية واقتصادية لصالح الفقراء والمحرومين.
المصادر:
محمد_حسين_النجفي#
كما نُشرت في صحيفة المثقف الألكترونية
صفحات لا تُطوى
هذا هو الكتاب الثالث الذي أقرؤه للمفكّر الحر محمد حسين النجفي، كلّ كتاب يختلف عن الآخر من حيث التجنيس وطبيعة الكتابة، فإذا كان الكتابان الأولان ذَوَيْ نسق سردي يرتهن إلى الرواية، فإن هذا الكتاب (صفحاتٌ لا تُطوى: أفكار حرة في السياسة والحياة) ذو طبيعة مقارباتية للواقع الذي عاشه الكاتب، والذي يكاد أن يكون مشتملاً على جلّ الوقائع الحياتية؛ السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، فلا ينقلها نقلاً سكونياً، وإنما يسعى لبث الحياة فيها مُجسّراً العلائق بين الماضي، الذي لا يريده أن يكون غابراً، وبين الحاضر، الذي لا يريده أن يكون عابراً، هي القراءة التي تتوغل في كهوف الذاكرة، فتجعل الأحداثَ التي حملتها مرآةً، تتمظهر فيها أفعالُ الحاكم وردةُ أفعال المحكوم أضواءً من الأسئلة التي تقلق القارئَ، وتدفع به إلى التأمّل بحثاً عن سبل التغيير، والتي طرحها الكاتب بوعي المتفكّر لا المتيقن بحركة التغيير، فهو يقترح الإبدالات ويجترحها من دون أن يجرح كبرياء أصحاب الأيديولوجيات السياسية أو المعتقدات الدينية، لأن الكاتب محمد حسين النجفي يؤمن بالاختلاف ويعمل من مظان قبول الآخر على طرح رأيه بشفافية.
لا يعتمد الكاتب محمد حسين النجفي منهجاً علمياً صارماً للتحليل، بقدر ما يعمل على تفعيل وعيه العالي، ومعاينة الفجوات التي شيّدت الوقائع التي عاصرها، فيجمع صورها الجزئية قارئاً ومتسائلاً ومقترحاً، ليضع قارئه في الصورة الكليّانية للماضي، محدّداً الزمان والمكان وطبيعة الإنسان التي أسهمت في تشكيل هذه الأحداث سلباً وإيجاباً، مبتعداً عن الوعظية وعن السلطة الأبوية، وهذا لا يعني أن النجفي كاتب رومانسي، بقدر ما هو كاتب بالمعنى الثوري لتفعيل وعي الآخر، وانتشاله من أسر السائد والمألوف من الاعتقادات التي تدفع بالإنسان إلى السكون والخمول والذبول على ضفاف الانتظار، النجفي كاتب يدعو إلى التشكيك بالقراءة المهادنة، وبالفلسفة الأحادية، فيدعو إلى مواجهة الضوء للظلام بأدوات الحفر المعرفي لأعماق النظم التي سلبت الإنسان إرادته، فيخلخل هذه النظم بسلاح سؤال المعرفة الذي يقوّض ويبني في آن، شرط أن لا يكون البناء بالأحجار القديمة ذاتها، وإنما يتبلور بأحجار جديدة ومغايرة تتكامل بها إرادة الإنسان وكينونته.
الأستاذ الدكتور محمد عبدالرضا شياع
كاليفورنيا، الولايات المتحدة الأمريكية
#محمد_حسين_النجفي #العراق #افكار_حرة #دكتور_محمد_عبد_الرضا_شياع
Dr. Shak Hanish (Director of the Political Science Program at National University in California – USA)
These are some of my impressions of the People’s Republic of China from my recent visit as a university professor to give lectures on culture, history, and politics in the Arab region and the Middle East. I presented at three leading universities in foreign languages: Beijing Foreign Studies University, Shanghai International Studies University, and Beijing International Studies University, where I stayed for a month and a half.
Introduction:
China occupies a prominent position as one of the largest countries in the world in terms of population and area. In terms of population, China is the largest or second-largest country in terms of population. In terms of area, China ranks third among countries worldwide. China is one of the leading powers on the global stage due to its rich history and significant influence on a wide range of economic and cultural aspects. China is a socialist country that blends ancient traditions with modern progress harmoniously. China is currently experiencing tremendous economic growth, remarkable technological advancement, and plays a major role in international affairs.
The Beauty of China:
Beijing, the capital, is a charming city with its beauty and rich history, characterized by parks like Jing Shan Park in the center of the Chinese capital Beijing, where entry was free for anyone over sixty years old. The park was an amazing and very beautiful place. The park is very large, about 57 acres, with many entrances and multiple hills, each with a beautiful Chinese building in the old style. Beihai Park in Beijing is an extraordinary place. It is known as the North Sea Park and is one of the oldest, largest, and best-preserved ancient imperial gardens in China, with more than 1000 years of perfect integration between magnificent imperial palaces and religious temples. In addition to the Great Wall of China, the Summer Palace of the Emperor, the Forbidden City, Tiananmen Square, the Temple of Heaven, the Olympic City, the Three Lakes, and others. In Shanghai, the largest city by population, modernity blends with antiquity, characterized by its distinctive modernity, beautiful river, picturesque banks, bustling East Tower, People’s Square, Nanjing Road, and others. Nearby is Suzhou, which is similar to the Italian city of Venice, hence called the Venice of the East. There is also a park near my university residence (Zuibaichi Park), which is very wonderful and stunning. At that time, I wrote, “I do not exaggerate if I say that China is a piece of paradise. I have been in China for over a month now and have never felt bored for a single day.” Every day, I had an event and a beautiful story about this country and its kind people.
Students and University Life:
Beijing Foreign Studies University was ranked first in China for foreign languages. I was invited to give three lectures, each lasting two hours, on the following topics: Names and Designations in the Arab World, Who Are the Arabs and Their Modern History, and the Arab-Israeli Conflict. These were my best lectures. I was amazed by the quality of the students’ questions and discussions. Among the questions from students were about Stalin and the concept of nationalism and nation, the relationship between communists and nationalists during the Nasser era, and populism since the Abbasid era, among others.
I stayed for a whole month at Shanghai International Studies University in the Arabic Language Department, where I delivered 11 diverse lectures to master’s students on Arabs, their origins, Arab culture, Islam, Islamic extremism, Arabs’ contributions to human civilization, ISIS, minorities in Iraq, popular Arab proverbs, Arab diaspora in the world, Arab cultural values, social changes in the Arab region, the Arab-Israeli conflict, and Iraqi culture. I also gave three other lectures at Beijing International Studies University.
The design of the Arabic Language Department in two of the three universities resembled a dome similar to a mosque’s dome. In Shanghai, the Russian Studies building resembles an Orthodox church, and the English Language Department building resembles a traditional English building, as well as for Japanese and others. There are dozens of colleges that teach Arabic language and culture, and every country that has relations with China has its language studied in China.
Students in China are very serious and hardworking. However, they do not usually participate in discussions or speaking in class; instead, they usually remain silent, listen, and take notes unless forced to speak. This seems to be the traditional Chinese way, but they excel in exams and when encouraged to participate. Almost all students in the university live in dormitories or university apartments, even if they are from the same city. Dedication and seriousness are evident among Chinese students. The university environment is characterized by the facilities available to students.
Moreover, if you are a visiting foreign professor, you will experience care, respect, and appreciation and feel like a special person. Wherever you go, there is respect, gratitude, and appreciation. In every university I visited, there was a student, usually in the final years or at the master’s level, designated to receive me at the airport, accompany me to the hotel inside the university, and provide services if you need anything. What is distinctive in China is that almost all universities have large hotels for professors, foreign students, or visitors. Additionally, there are apartments in addition to the many dormitories for students.
When I went to some universities, what I saw was very distinctive: if you study any foreign language, you must study English alongside it because English, as we know, is the language of communication and connection between peoples.
Furthermore, what distinguishes Chinese universities is that in postgraduate studies, when you study Arabic or another foreign language, you specialize in something else. For example, you specialize in international relations or the Middle East, etc.
I also noticed that in every university I visited, there were Islamic restaurants. Those who frequented them were not only Muslim students but also many other students. The food is affordable, with many choices. Sometimes the price is based on weight.
Technology in Daily Life:
One thing that caught my attention is the use of technology in China compared to the United States. For example, when you leave home and are at university and want to exit the campus, you must use the app called “WeChat.” Entry to the university is restricted; only students, professors, and staff are allowed. Everyone enters using facial recognition technology.
You’ll notice food bags outside the university building from students’ orders through the phone app. Each student comes to collect their order outside the university entrance, and no one touches or steals them.
Everything is done through the phone. You can order food inside some university restaurants and pay your bill without talking to anyone. If you want to take a bike, for example, from the university gate to the metro station, you use the same app. When you arrive at the train station and want to enter, you use it. To buy a train ticket between cities, enter a museum, buy a water bottle or juice, or do anything else, even street vendors use the same app for scanning to pay for what you buy.
You see robots in the university restaurant in Beijing and in the hotel, I stayed at in the capital, and you see them in the streets of Shanghai University providing services.
The People’s Culture:
The Chinese are extremely polite; you don’t hear anyone’s voice. They are also respectful. What also distinguishes China is that there’s no sensitivity from foreigners; instead, they are respected and often asked to take pictures with them. It’s common for Chinese citizens, especially from Chinese provinces, to stop you for pictures because you look different from them.
Elderly Care, Children, and Public Services:
In continuing the Chinese culture and ethics, most children are taken care of by grandparents when parents are usually at work. It’s their duty to take the children to school and care for them until the parents return. Thus, Chinese customs, traditions, and ethics are passed from generation to generation.
Public transportation in China is very available, efficient, and affordable. This is also true when visiting historical buildings, large parks, and amusement parks. What impressed me most is that there are health facilities (bathrooms) everywhere you go, with signs indicating how far these health facilities are from you. They are clean, with workers constantly serving them. In one year, they built two million health facilities in the country. There’s a sign in health facilities that says, “This is a small step forward, a big leap towards civilization.”
Trains are available between cities. The fast ones are called bullet trains because of their speed. Adults over 60 years old can often ride for free, especially in historical buildings, public parks, imperial palaces, or religious temples.
Women retire at 55 years old, and men at 60 years old, and retirement income is usually close to regular income.
When you sit in a restaurant, warm water is brought to you because it’s healthier and matches the internal body temperature. There may be some flowers in the water for flavor or appearance, unlike American restaurants where cold water with ice is served.
There are beautiful and important streets, similar to upscale streets in New York or Los Angeles. For example, Nanjing Road in Shanghai and Wangfujing Street in the capital Beijing.
What’s striking is that you don’t see loiterers, beggars, or people under the influence of drugs, as you might in the United States. Everyone is working and serious; when you’re on the tram or train, everyone is reading, and everyone’s eyes are on their phones. If you need any help, they offer it, and sometimes they want to pay for you.
The Joyful Chinese People and Their System:
In public parks, along the coasts, and on public streets, what is joyful and exciting is that I saw several groups of people, mostly retirees, in musical bands singing opera, other songs, or performing various dances representing Chinese ethnic groups or modern dances. In a large park, an elderly woman and a middle-aged woman caught my attention as they stood aside and continued singing while being very joyful. Are there any other people like this? I don’t think so based on my visits to more than 70 countries around the world. The more I interact with these people, the more it attracts me to them to the point that I consider living among them for a long time.
China believes in the socialist system with Chinese characteristics, and the Chinese Communist Party has a leading role in managing the economy and controlling key aspects. It directs the economy in the public, private, and mixed sectors, working to implement short-term and long-term plans through centralized planning and adjusting plans to serve Chinese economic and social development. Regarding China’s relations with foreign countries and its methods of dealing with them, China does not impose conditions or restrictions like the United States and Western countries. China also does not attempt to interfere in the affairs of other countries. The most important thing for them is building trade relations and mutual respect; they do not care about the nature of the system they deal with. What matters is that there is mutual trade and mutual benefit.
Conclusion:
China is a wonderful, distinctive, and different country by all standards. The culture is great, and the Chinese people are hardworking, diligent, organized, obedient, and polite. There are many things that distinguish China from other countries in the world, including the United States, where everyone works or excels in their work. There are no signs of decay or cases of drug use in the streets, no begging or homelessness, or inappropriate behavior in public. Students are always studying and working hard, and everyone is busy with their work and dedicated, so I expect that due to the struggle and nature of this people, China will take the first place economically in the world in a relatively short period of time.
Dr. Shak Bernard Hanish
#China