قراءة في كتاب المناضل الصغير

قراءة في كتاب ” المناضل الصغير” بقلم: نجاح يوسف
كما نشرت في موقع الأتحاد الديمقراطي العراقي، ميشكان، الولايات المتحدة الأمريكية
“أجد من الضروري في ظل الظروف الحالية التي يعيشها الوطن والشعب العراقي، ان يقرأ الجيل الجديد هذا الكتاب، ويتمعن بأحداثه والتعلم من دروسه ….”
لقراءة المقالة اضغط على الرابط ادناه:
قراءة في كتاب المناضل الصغير

المناضل الصغير
المناضل الصغير

الكتاب متوفر في دار أهوار شارع المتنبي، مجمع الميالي
  Kindale كذلك متوفر على تطبيق كندل 

مدخل لقراءة كتاب المناضل الصغير

مدخل لقراءة كتاب المناضل الصغير
عقيل عبود
كما نُشر في صحيفة المُثقف العدد (5986) 25-01-2023
“هنالك مع حقبة من السنين لم تزل تداعياتها، فقد العراق خيرة أبناءه، ثمناً لعقول لم يتسن لها الطريق لأن تحمل مشعل الحرية ….”
لقراءة المقالة اضغط على الرابط ادناه:
قراءة في كتاب المناضل الصغير

 

المناضل الصغير
المناضل الصغير

الكتاب متوفر في دار أهوار شارع المتنبي، مجمع الميالي
  Kindale كذلك متوفر على تطبيق كندل 

الكرادة الشرقية

تعتبر الكرادة الشرقية من بين اهم ضواحي العاصمة بغداد من حيث تعداد النفوس والمساحة الجغرافية والتنوع السكاني في أعوام الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن العشرين. إن اهم ما يميزها هو كونها شبه جزيرة يلتف حولها نهر دجلة العظيم من ثلاث جهات. كذلك كورنيش شارع ابي نؤأس ومقاهيه الجميلة والسمك المسكوف وبهجة وشعبية الكرادة داخل، وروعة ونظافة الكرادة خارج، وتحرر وحداثة عرصات الهندية وأناقة وهدوء منطقة المسبح.

كانت الكرادة الشرقية تحوي مجتمعات راقية ومجتمعات متدنية في آن واحد. تحوي على العديد من الجوامع والحسينيات ومنها جامع التميمي وحسينية مباركة وحسينية “عبد الرسول علي” التي كان الشيخ الوائلي يؤمها في العشرة الأيام الأولى من شهر محرم الحرام وعشرة ايام من شهر رمضان. كان شارع ابي نؤآس الذي يبدأ من الباب الشرقي وينتهي في شارع الكنيسة (البوليسخانة) آن ذاك قبل ان يتم تكملته ليصل الى الجسر المعلق ثم ليصل الى الجادرية. كان شارع ابي نؤأس مركزاً سياحياً وترفيهياً لعموم أهالي بغداد، ومركزاً سياحياً لزوار بغداد من المحافظات الأخرى او ضيوف العراق الأجانب، حيث تنتشر على امتداده العديد من الفنادق والمطاعم والمقاهي ومحلات الشرب التي يرتادها الرجال فقط في ذلك الحين، ومنها مقهى الحدباء لصاحبها “زناد” الذي كانت مقهاه سابقاً في البتاوين محل سينما اطلس حالياً، ولديه مقهى في نهاية سوق التجار وعلى ضفاف نهر دجلة. وفي منتصف الستينات افتتحت امانة العاصمة ثلاث مقاهي جميلة جداً هي ثلاثية مقاهي الصفراء والخضراء والحمراء.

كذلك كانت الكرادة مركزاً للعديد من المثقفين والسياسين المعروفين، ومنهم الدكتور ابراهيم كبة وزير الأقتصاد في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم والذي سُميّ الشارع الذي كان يسكنه بأسم شارع الوزير. كذلك سكن الكرادة شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري ومؤرخ الوزارات العراقية الكاتب السيد عبد الرزاق الحسني واستاذ القانون الدولي الدكتور محمد علي الدقاق والدكتور الجراح عبد المجيد حسين مؤسس مستشفى عبد المجيد حسين، والتجار المعروفين عبد الرسول علي ورضا علوان وجابر مهدي البزاز.  يوجد في الكرادة العديد من عيادات الاطباء المعروفين ومنهمم صاحب علش وصادق ابو التمن وعليم حسون. كذلك العديد من المستشفيات ذات السمعة العالية مثل مستشفى الراهبات في منطقة أرخيته ومستشفى الأمام في منطقة أبو قلام ومستشفى عبد المجيد حسين في البو شجاع.

وفي تلك الأعوام المفصلية في بداية الستينات بدأت الأحداث في العراق تأخذ منحى معاكس. حيث تحول الصراع بين الأفكار والبدائل السياسية الى صراعات دموية سُفكت فيها دماء الشباب السياسين المتخاصمين، وكانت حصة الأسد في الضحايا من نصيب اليساريين خاصة من سكنة الموصل، مما جعل سفك الدماء بشكل جماعي بعد حركة 8 شباط 1963 المشؤومة، امراً استمرارياً لما حدث من قبل. وفي نفس الوقت بدأت الدول الخارجية تتدخل بشؤون العراق وخاصة الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا)، والدول الغربية متمثلةً ببريطانيا وامريكا. إن ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، لم تكن إنقلاباً عسكرياً لتغيير من هُم في سدة الحكم، وانما كانت حركة ثورية تنشد التغيير الجذري في الشؤون السياسية والأقتصادية والأجتماعية. وعليه اتخذت الثورة خطوات ضربت بها مراكز نفوذ تقليدية في الداخل، وحجمت مصالح الشركات الأجنبية المرتبطة بالخارج. ومن بين هذه الخطوات وأهمها كان قانون الأصلاح الزراعي، وقانون الأحوال الشخصية. وهذين القانونين الحقا الضرر بمصالح ونفوذ رجال الدين الذين يُمولون من قبل رؤوساء العشائر، وهم في معظم الأحيان مُلاك أكبر وأخصب الأراضي الزراعية، التي استولوا عليها أثناء حقبة الدولة العثمانية والعهد الملكي. كذلك فعل قانون الأحوال الشخصية، حيث نظم هذا القانون علاقات الزواج والطلاق والأرث بما يضمن حقوق أفضل المرأة في الأرث ويرفع من شأن دورها في الزواج والطلاق.

وبذلك انقسم الشعب العراقي بين مؤيد للزعيم وبين معادي له. يضم الفريق الأول ما لايقل عن 80% من الشعب العراقي خاصة الفقراء والعمال والفلاحين والكسبة، وسياسياً الشيوعيين وقسم من الحزب الوطني الديمقراطي. ويضم الفريق الثاني البعثيين والناصرين، وتضامن معهم بعض رجال الدين والأقطاعيين الذين تضررت مصالهم الشخصية، مع اسناد خارجي قوي جداً. وبذلك ابتدأت سلسلة المؤآمرات الواحدة تلو الأخرى، من إنشقاق عبد السلام عارف ومطالبته بالوحدة الفورية مع مصر وسوريا بقيادة جمال عبد الناصر دون قيد أو شرط، ثم حركة السياسي المخضرم رشيد عالي الكيلاني، ثم حركة الشواف في الموصل والأحداث التي تلتها، واحداث كركوك الدموية بين الأكراد والتركمان، ومحاولة اغتيال الزعيم في شارع الرشيد.

كان لهذه الأحداث ابعاد سياسية واجتماعية أثرت على علاقة الجيران بعضهم ببعض، وعلاقات الصداقة في المحلة وفي المدرسة. وبدأ الكل يفكر اين موقعه واين موقع الجيران والأقارب والأصدقاء من ذلك. وبدأت تتركز معظم الحوارات في الدوائر الحكومية، والمتاجر التجارية، والمدارس والجامعات، وفي البيوت حول السياسية. وادى ذلك الى تحول بعض الصداقات الى عداوات، والى انفضاض بعض المجالس بالصياح والغضب وأحياناً الأشتباك بالأيدي، هذا يدافع عن الزعيم وذلك يحب جمال عبد الناصر ويريد الوحدة مع مصر. وكانت محاكمات المهداوي (محكمة الشعب الخاصة) تؤجج هذا  الصراع، لأنها كانت تُنقل حية عبر شاشات التلفزيون الذي كان الجميع يلتصقون به من اصغر فرد في العائلة حتى اكبرها. واتذكر جيداً ان أبي أشترى التلفزيون وادخله في بيتنا، كي يشاهد محكمة الشعب التي ابتدأت بمحاكمة رجال العهد البائد (العهد الملكي) امثال بهجت العطية وسعيد قزاز. ثم محاكمة عبد السلام عارف، وكانت اشهرها محاكمة ناظم الطبقجلي، ومن ثمّ المشتركين بمحاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد.

ادى انشطار الشارع العراقي الى قسمين رئيسين الأول الزعيم والشيوعيين من جهة، والثاني البعثيين والقوميين من جهة اخرى، الى مصدامات دموية، ومنها احداث كركوك في يوم الأحتفال الأول بذكرى 14 تموز 1959، مما ادى الى اراقة الدماء بين الأكراد والتركمان والتي استغلتها القوى المعادية للثورة وتلبيسها برقبة الشيوعيين. وانعكس ذلك في خطاب الزعيم حينما افتتح كنيسة مار يوسف في 17 تموز 1959 في الكرادة الشرقية، والقى كلمة ابدى فيها غضبه على الشيوعيين والأكراد واسماهم بـ “الفوضويون”. استغلت اجهزة الأمن والمخابرات التي كانت مُسيطر عليها من قبل القوى المناوئة للثورة، وقامت بحملة اعتقالات واسعة، في الموصل وكركوك وبغداد، وعلى وجه الخصوص للقيادات العمالية والفلاحية والناشطين المعروفين. بعد هذا الخطاب انشطر العراق الى ثلاثة اقسام، الزعيم والقاسميين والمؤيدين له وهم عموم الناس، ولكن خصوصاً الفقراء الذين رعاهم ورفع من مستواهم المعاشي والأجتماعي، القسم الآخر هم الشيوعيين الذين ابعدهم الزعيم عن دائرته وابعدهم عن المناصب الحساسة في اجهزة الدولة وخاصة الجيش، إلا انهم أستمروا في ولائهم لثورة تموز والدفاع عن مكاسبها. اما القسم الثالث فهم البعثيون والقوميون والذين اعتمدوا بتقوية قواهم على  اسناد من الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) والتعاون مع القوى التي تضررت من الثورة، وهم جماعة العهد الملكي والأقطاعيين والأغوات الأكراد المتضررين من قانون الأصلاح الزراعي، ورجال الدين الذين سحب قانون الأحوال الشخصية البساط من تحت اقدامهم، عزز ذلك فتوى الراحل السيد محسن الحكيم من أن “الشيوعية كفر وألحاد”.
#العراق       #عبد_الكريم_قاسم      #حزب_البعث_العربي_الأشتراكي      #السيد_محسن_الحكيم

أسس التسويق الحديث

تغيرّ النظام السياسي والاقتصادي في العراق والعديد من دول الشرق الأوسط  ليتجه نحو اضمحلال الانفراد بالسلطة ونحو إطلاق الحريات التجارية وتقليص دور وهيمنة القطاع العام، وتشجيع الخصخصة. وقد أدى ذلك الى فتح الاسواق امام فرص جديدة وتحديات معقدة مرتبطة بالمنافسة الحادة وبتقلبات السوق العالمية واتساع آثار العولمة. إن ما حدث خلال الثلاثين عاماً المنصرمة من تطورات وابتكارات في السلع والخدمات قد أذهلنا ولازال يبهرنا. تطور استعمال الكمبيوتر وانتشارها، وتوفرالتلفون المحمول الذكي متعدد الخدمات، واستخدام بطاقات الائتمان بدل استخدام العملة للشراء، والتسوق عن طريق المواقع الالكترونية. كل هذه التغيرات تطلبت مني ان اعيد تأليف كتابي “اسس التسويق الحديث” بعد ان كتبتُ الطبعة الاولى قبل اكثر من خمسين عاماً. ولما لم تكن الغاية من هذا الجهد تجارية قررت نشرهُ الكترونياً من خلال موقعي ليكون متوفراً للراغبين بقراءته مجاناً. وإذا كانت الطبعة الاولى موجهة الى طلبة كلية الإدارة والاقتصاد في جامعات ومعاهد العراق، فإن هذه الطبعة المنقحة ستكون موجهة الى رجال الأعمال في الاقتصاد المعاصر، اضافة الى طلبة الإدارة والاقتصاد. وستكون هذه الطبعة  مناسبة للقارئ في عموم الوطن العربي ولا تقتصر على العراق فقط. 

للقراءة اضغط على الرابط ادناه:

https://mhalnajafi.org/wp-content/uploads/اسس-التسويق-الحديث-3.pdf

المناضل الصغير

 “اخترق المناضلون المديات، منهم من ذهب باحثاً عن ملاذ يبث أفكاره من هناك، يحمل مشعل الحرية والتحرر، مبتعدين عن إراقة الدماء، ومنهم من سحقتهم آلة السلطة الشمولية سحقاً، عانقوا الموت مبتسمين ابتسامة العاشق لمعشوقته، مواجهين حرارة الموت وظلم الظالم، منتظرين ضوء الفجر وإن كان بعيداً.   نقرأ في (المناضل الصغير) للمفكّر الحر محمد حسين النجفي آلام شعب وآماله أفراداً وجماعات، بوصفه سرديّة تطرح أسئلة على الذات والآخر بالقدر الذي تجيب فيه عن الأسئلة القلقة، الكتاب مسيرة تاريخ.”
الدكتور محمد عبدالرضا شياع، كاتب وأستاذ جامعي عراقي

لقراءة الكتاب اضغط على الرابط ادناه:
https://mhalnajafi.org/wp-content/uploads/PDF-المناضل-الصغير.pdf

لقائي مع نجيب محفوظ

محطة-الرمل-الاسكندرية

كما نُشرت في صحيفة المثقف الألكترونية العدد (5850) بتاريخ 11 أيلول 2022

اضطررت لقضاء معظم أيام عام 1982 في مدينة الإسكندرية المصرية، عروس البحر الأبيض المتوسط. المدينة الجميلة بعمارتها المتأثرة بالذوق والنكهة الإيطالية واليونانية، وبمناخها المعتدل صيفاً وشتاءً وبطيبة أهلها وبسعة شواطئها التي لا نهاية لها. كنت اعاني من ظروف صعبة جداً، احتضنني حينها مجموعة من الأصدقاء العراقيين والمصريين، بطريقة لا يمكن نسيانها. سكنت في عمارة “ستانلي” في شارع الجيش وهو شارع الكورنيش البحري. وعمارة ستانلي التي تشرف على البحر مشهورة جداً، لأنها متميزة في تصميمها ولونها الأحمر، ولأن مالكها هو الممثلة المصرية ماجدة (ماجدة السلمي). كان لديّ الكثير من الوقت اقضيه بمفردي خاصة في الصباح حينما يكون معظم الأصدقاء في أعمالهم. صنعت لنفسي برنامجاً يومياً. اركب سيارتي واذهب الى بائع صحف في محطة الرمل وسط البلد، اقلب بعض الكتب، واشتري بعض الصحف والمجلات، ثم اذهب الى عمارة ستانلي كي اركن العربية (السيارة)، واعبر شارع الكورنيش الى فندق سان جيوفاني لأجلس في المقهى الساحلي. المكان هادئ جداً حتى في صباحات أيام الصيف. اجلس وحيداً، عفواً لست وحيداً لأني بصحبة صحيفتين او ثلاث وبعض المجلات وكتاب لأنيس منصور: في صالون العقاد كانت لنا أيام، الذي استمتعت بقراءته كثيراً.

عثرت في صحيفة الأهرام على سلسلة مقالات بعنوان: علي: إمام المتقين، للكاتب الغني عن التعريف عبد الرحمن الشرقاوي. وكانت ترد للصحيفة متابعة مكثفة من القراء. يتهم أحدهم الشرقاوي بأنه تشيع ويحاول في مقالاته نشر الفكر الشيعي، ويتهمه الآخر من انه شيوعي وينشر أفكاراً شيوعية من خلال نشره لأفكار وسيرة الأمام علي (ع). كان الشرقاوي يرد على هذه الادعاءات وغيرها وتنشرها جميعاً صحيفة الأهرام. تحولت هذه المقالات لاحقاً الى كتاب تحت نفس العنوان.

وذات يوم وانا جالس في مقهى الكورنيش، لاحظت شخصاً جالساً بمفرده امامي بزاوية 45 درجة. اراه جيداً لكنه لا يراني. جالساً بمفرده يشرب قهوته دون استعجال، لابساً نظارات سوداء غامقة. عرفته للتو، انه الأديب والكاتب القصصي نجيب محفوظ. أنا ونجيب محفوظ نشرب قهوتنا في نفس الوقت ونفس المكان ونفس الزمان، إنها حدث كبير، وإن كان كل واحد منا يجلس بمفرده وعلى طاولته. تركت الصحف والمجلات، وأخذت اراقب الكبير نجيب محفوظ الذي قرأت معظم كتبه، وشاهدتُ معظم أفلامه، واعجبت بها جميعا دون استثناء. يجلس دون حراك، لا يلتفت يميناً او شمالا. عيناه على الأفق البعيد، ربما البعيد جداً كي يوصل ناظريه لأفق يتلاحم به ازرقان هما سماء وبحر اسكندرية.

فكرت ان اذهب اليه وأحييه واعرفه بنفسي واعجابي لأعماله. ربما سوف يدعوني لشرب القهوة معاً ويسمح لي بالحديث معه عن العراق وشعب العراق واحياء بغداد القديمة وعن احياء وازقة النجف الأشرف. احدثه عما يُحب، عن الأحياء الشعبية في بغداد، عن الدهانة وعكد الاكراد والشورجة وعكد النصارى والمربعة وسوق حنون ومحلة الفضل وباب الشيخ وأسواق الصدرية والشواكة وغيرها الكثير. محلات شعبية جرت بها احداث وقصص مشابهه لما حدث في خان الخليلي وفي ثلاثيته الرائعة: بين قصرين، والسكرية، وقصر الشوق. سأحدثه الكثير الكثير وسأقنعه ان يكتب عن احياء بغداد، عن فاتناتها وفتواتها، وباشواتها وبؤسائها. سأحدثه عما يحدث في دهاليز السلطات، وسأقول له ان أدباءنا مشغولين بأدب المديح وإرضاء الحكام، كي يبعثوا مجد الجواري في صالات خلفاء هذا الزمان، وتحولوا بحرفية متقنة من مُصلحين سطحيين الى وعاظ متميزين للسلاطين. سأقول له نحن بحاجة ماسة اليك كي تكتب قصتنا ومعاناتنا وبؤسنا وقلة حيلتنا. وشردتُ في التفكير كثيرا واستغرقت في عالم كدتُ على وشك ان اصدقه. ولكني حينما افقت كان قد دفع اديبنا الحساب ورحل. اعدتُ الكرة في اليوم الثاني والثالث، ولم أجرأ للتحدث اليه. احسست من انني سأكون متطفلاً عليه، اكسر الهدوء الذي يتمتع به والخيال الذي يسبح في اجواءه. انه قادم هنا للتخلص من حر القاهرة وصخبها، كي ينعم بالراحة والهدوء ويستجمع افكاراً لصور اجتماعية كي يكتب عنها للبشرية على شكل قصة واقعية عن أحياء مصر الشعبية وما يدور فيها من حب وغرام وهيام، وخيانة وغدر وانتقام، فكيف لي ان أعطله عن عمل ابداعيٌ فذ كهذا ولو للحظات.

خاب ظني في اليوم الرابع، لأني ذهبت لنفس المكان ولم أراه. فقررت ان اشرب قهوتي مع اديبين كبيرتين هما أنيس منصور وعباس محمود العقاد صاحب “العبقريات”. ففتحت كتاب: في صالون العقاد كانت لنا أيام، وانغمست في قراءة احداث وحوارات مثيرة كما يصفها أنيس منصور، دون ان أدير رأسي يميناً او شمالا، ودون ان يلفت اهتمامي أي كان سواء أكان من البشر او الجان.

 7 أيلول 2022

#اسكندرية      #ستانلي        #نجيب_محفوظ     #أنيس_منصور     #عباس_محمود_العقاد

#محطة_ الرمل          #www.mhalnajafi.org     #www.afkarhurah.com   

مستقبل اليسار العراقي

كما نشرت في صحيفة المدى العراقية العدد (5253) في 30 آب 2022 الصفحة 6، ركن آراء وأفكار

تشهد صناديق أوروبا الانتخابية تراجعاً وانحساراً لما تفرزه صناديق الاقتراع من اصوات لصالح القوائم الانتخابية اليسارية بشكل عام، ولصالح اليسار التقليدي بشكل خاص. كذلك يعاني العالم الثالث من سطوة النخب العسكرية من جهة، ومن استفحال وتفاقم الفساد السياسي المصحوب بتراجع مذهل لدور الجماهير للحد منها في المجتمعات الشبه الديمقراطية. والعراق وسوريا ولبنان وليبيا وغيرها من الدول العربية ليسوا إلا نماذج حية لحالة الفشل الشعبي، بسبب قيادات مازالت متمسكة بأساليب النضال القديمة والمستهلكة، وبسبب عدم فهمهم للواقع الحالي لمشاكل الجماهير وطبيعتها، وفقدان القدرة على عطاء حلول ناجحة وممكنة التطبيق والتحقيق.

البؤرة المضيئة الوحيدة في هذا العالم وفي هذه السنين هي في أمريكا الوسطى والجنوبية. فعلى الرغم من الاهتمام المباشر للولايات المتحدة في المنطقة التي تعتبرها حديقتها الخلفية، وعلى الرغم من التدخل المباشر وغير المباشر استخباراتياً وعسكرياً وسياسياً واقتصادياً، إلا ان هذه الشعوب استطاعت ان تحقق انتصاراً تلو الآخر.

ففي نيكاراغوا استطاعت فصائل الساند نستا عام 1979 من ان تحرر البلاد بعد حرب أهلية من سلطة مسنودة بشكل مباشر من قبل السي آي أي. لقد استطاعت الساند نستا من تحويل نيكاراغوا الى دولة ديمقراطية عام 1990، وخسر دانييل أورتيغا الانتخابات. إلا انه لم يلجأ لانقلاب او حرب انما استعد لانتخابات قادمة عدة مرات حتى فاز عام 2006 سلمياً وديمقراطياً.

وفي عام 1998 انتخبت فنزويلا هوغو تشافيز، الذي أطلق ثورة بوليفارية جديدة لصالح الطبقات الفقيرة بعد ان سيطر على الموارد النفطية. وبعد وفاته عام 2013، استطاع نائبه نيكولاس مادورو ان يكمل نفس المشوار، رغم اشتداد التآمر عليه وعلى فنزويلا.

نموذج آخر يحتذى به هو البرازيل وشخصية لولا دا سيلفا القائد العمالي الذي استطاع بعد نضال شاق وطويل ان يصبح الرئيس الخامس والثلاثين للبرازيل في انتخابات عام 2002 وعام 2006، والذي حاز على اعجاب عالمي في حملته الإصلاحية ضد الفقر ولرفع الحيف عن الفقراء من خلال نظام ضرائبي تصاعدي. اعتبرته مجلة التام الأمريكية الزعيم الأكثر تأثيراً في العالم.

وهذه الأيام نعيش احتفالات فوز غوستاف بيترو رئيساً لجمهورية كولومبيا، التي دمرتها زراعة وتجارة المخدرات ومزقتها عصابات المافيات، وعانت من استمرار حرب العصابات. غوستاف بيترو بدأ حياته السياسية عضواً في منظمة الـ أم-19، وهي احدى الحركات اليسارية التي رفعت السلاح بوجه السلطة. إلا انه تحول الى ناشط وكاتب سياسي، وليشارك في الانتخابات المحلية ليكون عمدة العاصمة “بوغوتا”، والذي استطاع ان يثبت نجاحاً باهراً أدى الى انخفاض الجريمة وتحسين الاحوال المعاشية. شخصيته البراغماتية واهتمامه ونجاحه بحل المشاكل التي يعاني منها المواطنون أدت الى فوزه في الانتخابات العامة على المليونير اليميني رودولفو هيرنانديز.

الظروف السياسية والاقتصادية التي مرت وتمر بها أمريكا الجنوبية مشابهة في الكثير من اوجهها مع الدول النامية الأخرى، ومنها العراق. كل هذه الدول مرت بمرحلة الاستعمار المباشر، ثم بحركات تحرر وطني، انتهت بإخفاقات نتيجة التآمر الدولي مع العسكر واليمين الإقطاعي، وفشل الأحزاب اليسارية التقليدية. هذه الدول ايضاً مشابهة للعراق من حيث انخفاض درجة الثقافة والوعي السياسي، وتعاني من صراع بين تركيبات سكانية مختلفة في أصولها.  وللكنيسة دور فعال ومؤثر خاصة على الطبقات الفقيرة.

التراث الفكري اليساري المُستمد من تجارب الدول الرأسمالية الغربية، رغم ثرائه لم يعد نموذجاً يحتذى به. وبدلاً من التركيز على المفاهيم والتجارب المستمدة من المجتمعات الصناعية الغربية التي لا تم بأي صلة لواقع حال مجتمعات مثل المجتمع العراقي، على اليسار العربي وخاصة اليسار العراقي ان يدرس ويستفاد من تجارب أمريكا الجنوبية الغنية والتي حققت نجاحات مُلفةٌ للنظر في السنوات الأخيرة.

الانتخابات مشروع متكامل يتطلب وعياً خاصاً يعتمد على الفهم البسيط للجماهير لشعارات محدودة تمس واقعهم المعاشي والاجتماعي. وكل ما يتطلبه النجاح في الأنتخابات: شخصية براغماتية نظيفة، وشعار واحد يمس مصالح الجماهير بشكل مباشر ويحقق امانيهم واحتياجاتهم الآنية، وليس وعود مستقبلية. لم يستطع اليسار العراقي الوصول الى هذه الوصفة السحرية البسيطة، لأنه لا زال يبحث في الكتب القديمة التي لم يعد لها صلة بواقع حال الشعوب في القرن الحادي والعشرين.

مقالات ذات علاقة:
اين اليسار العراقي

#اليسار_العراقي          #امريكا_الجنوبية                                  #www.afkarhurah.com

إمتحان الحرية الفكرية: سلمان رشدي أنموذجاً

لابد لي من الاعتراف من انني لم اقرأ كتاب “الآيات الشيطانية”، ولكن سمعت وقرأتُ الكثير عنه وعن كاتبه “سلمان رشدي” منذ عام 1988 ولحد يومنا هذا. ومع ذلك فإن عنوان الكتاب يكفي لاستفزاز مشاعر أي مُسلم سواء أكان متديناً او علمانياً، فما بالك برد فعل علماء الدين ومقلديهم سواء فقهياً ام سياسياً.

وحينما صدر الكتاب لمؤلفه البريطاني الجنسية المسلم بالولادة ومن الأصول الهندية، أحدث زوبعة هادرة في مناخ السياسة، والحرية الفكرية، وكان امتحان صعباً لتقبل آراء الغير. وخلق مناخ للصراع ما بين الثقافة الغربية الحديثة وما بين العقائد والمشاعر الراسخة في أعماق المجتمعات الإسلامية.

احتجت الدول والمنظمات الإسلامية وخرجت العديد من المظاهرات، وكان اقوى رد فعل من آية الله الخميني الذي أهدر دم رشدي باعتباره مُسلم مرتد. كذلك أحتج عليه وهذه ربما تكون مفارقة “أتحاد الكتاب السوفييت” ولم تحتج عليه أي منظمة او دولة غربية بل على العكس روجوا له بحماس، واعتبروه رمزاً لحرية التعبير والتأليف. انتقده اتحاد الكتاب السوفييت لأنه كتاب يستفز مشاعر وعقائد مئات الملايين من المسلمين.

السؤال هو: هل ان حرية الرأي هي حرية مطلقة بحيث يستطيع أي انسان أي يطعن برموز ومرجعيات ومقدسات الآخرين! ام ان هذه الحرية مشروطة كغيرها من الحريات “على ان لا تلحق اذى بالغير”. فعلى سبيل المثال حينما احرق المتظاهرون المناوئون لحرب فيتنام العلم الأمريكي في المدن الأمريكية، تمّ اعتقالهم ومحاكمتهم على حرق رمز من رموز الوطن الأمريكي. كذلك هل يحق لسلمان رشدي ان يلعن او يُشيطن ملكة بريطانيا لأي سبب من الأسباب! طبعاً هذا غير مسموح به، لأن الملكة رمز مصان للمملكة المتحدة.

السؤال هو: هل ان العلم الأمريكي وملكة بريطانيا أكثر قدسية من القرآن الكريم وأكثر قدسية من الرسول محمد (ص). سيقول لك بعض العلمانيون نعم، وذلك لجهلهم من ان العلمانية تعني حرية الأديان واحترام المعتقدات وليس الغائها او محاربتها، ولذلك تفصل الدولة عن الدين، لتكون حيادية في حماية تعددية المعتقدات والأديان.

جرت قبل ايام محاولة اغتيال سلمان رشدي في نيويورك على ايدي شاب لم يكن مولوداً حينما صدر الكتاب. وهذا ما يطرح السؤال مجدداً: هل ان فتوى هدر دم كاتب الآيات الشيطانية هي صحيحة ومناسبة وأدت هدفها في خدمة المعتقدات والمجتمعات الإسلامية! الجواب: لا اعتقد ذلك. كان الأفضل ان يكون لهم أسوة سيدنا موسى في قبوله التحدي مع سحرة فرعون وفي مجلسهم، وبدأ بتحديه (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ (30)) فيقبل فرعون التحدي (قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31)). فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) (سورة الشعراء). وهنا لا اريد ان اناقش الموضوع دينياً، لأننا نعلم ان التفاسير حمالة أوجه. انما اللجوء الى عقوبة دموية يعني الفشل في المجابهة الثقافية السلمية، ليس في هذا المنحى فقط، وانما في العديد من مجالات المباراة الثقافية والاقتصادية والسياسية. 

العالم الغربي مُخطئ في اسناده وتشجيعه للأطروحات الغير هادفة انسانياً مثل نشر كتاب الآيات الشيطانية عام 1988، ونشر رسوم كارتونية مسيئة لنبي المسلمين في “شارلي إيبدو” الفرنسية عام 2015، إلا ان ردود الفعل من قبل المجتمعات الإسلامية ربما كانت أكثر خطأً، ليس لأنها أدت الى شهرة واغناء ناشريها فقط، انما لأنها كانت عنيفة وغير سلمية وغير حضارية وغير تربوية. العالم الغربي لا يملك حساسية لمعتقدات الشعوب الأخرى، ويتحدث معهم من خلال لغته الغير مترجمة. وعالم الشرق الذي يعيش مخاضاً ليجدد نفسه، يخاطب الغرب بلغة من الصعب ترجمتها للغات الأوروبية. وبالتالي فإنه حوار الخرسان مع الطرشان. إلا انه يبقى خطر الوقوع في فخ الاستفزاز غير مبرر، لأننا نعيش في عالم ينام ويده على الزناد.

#سلمان_رشدي        #حرية_الأديان         #شارلي_ إيبدو   #محمد_حسين_النجفي
#afkarhurah.com         

                                                     

شُباك المهانة

تسفير التبعية

من المعتاد ان نزور مديرية جوازات السفر كلما نوينا ان نسافر خارج العراق. وكل مرة علينا ان نثبت للمرة المليون  صدق عراقيتنا، بإشهار الوثائق العديدة مثل الجنسية وشهادة الجنسية ودفتر الخدمة العسكرية وكتاب موافقة من الدائرة إن كان الشخص موظفاً. وأعتقد اضيف الى ذلك هوية التموين وشهادة سكن وشهادة صحة إثبات وغير ذلك من الوثائق، إضافة الى الرسوم والرشاوي التي اصبح امراً متعارف عليه هذه الأيام.

ذهبت صيف عام 1977 لاستحصال الموافقة على السفر الى المملكة المتحدة. كانت البداية عند العرضحالجي لملء استمارة الطلب والطابع المالي. وقفت أمام طابور شباك تقديم الطلبات، وكان أمامي حوالي عشرين شخصاً. وقبل ان اصل شباك استلام المعاملات تقدمت سيدة ومعها ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم ما بين الخمس والعشر سنوات. لسوء حظي كنت قريباً من الشباك، وسمعت الحوار بينها وبين المفوض الذي لا يزيد عمره على الخامسة والعشرين عاماً والسيدة التي ممكن ان يصل عمرها الى الخامسة والثلاثين عاماً. سألها عن سبب تقديم الطلب للحصول على موافقة خاصة للسفر الى إيران. أجابته بأنها سمعت بصدور تعليمات تُعطى بموجبها موافقات سفر  خاصة الى إيران، للعراقيين الذين سُفر ذويهم لأنهم إيرانيين، وان أبو اولادي قد سُفر. قال لها ولماذا تريدين زيارته، “موزين خلصناج منه “. أجابته ورقبتها منحنية جهة اليسار بكل خضوع ومذلة: “والله سيدي هؤلاء الأطفال أكلوا أفّادي، ويبجون ليل نهار يريدون يشوفون أبوهم”. “وإنتي ما لكيتي غير واحد عجمي تتزوجيه؟” اجابته متلعثمةً: “والله يا يمه ما جنت ادري، يحجي عربي مثلنا، وجيران وربينا سوييه“.

بدأت أرى ملامح المفوض المخلص الذي كان في منتهى الأناقة والكبرياء، حالق الذقن فارش الشاربين لتصل ملتقى الشفتين، يمشطهما بإبهامه وسبابته من يده اليسرى. لم يسعفها كلامها ولا توسلاتها ولا اطفالها في حفظ كرامتها. اجابها الفارس المقدام متقنصاً شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي في خطبته بمسجد الكوفة:  “قحط عراقيين، رحتى تزوجتي هذا العجمي الكلب، هَيْ أم الكذا …. وأم الكذا ……. وبنت الـكذا …….. ولو ما إنتِ كذا ……..  وكان سيلاً من الشتائم والألفاظ البذيئة النابية التي لا نسمعها حتى في الشوارع من الزعران.

لم تعد ركبتيّ تحملني، وأنا اسمع وأرى هذا المسعور يهين مواطنة عراقية، أكبر منه بعشر سنوات أمام العالم وأمام اطفالها الثلاث. والعجيب كل العجب، كان خلفه ضباط برتب عالية،  مستأنسين على حوار غير متكافئ.  نعم، لم تتحملني ركبتيّ على الوقوف، فتركت الطابور واستدرت ولعنت السفر وأبو السفر، ولعنت عدم قدرتي على الوقوف بوجه صعلوك قرر في زمن اللئام ان يكون له شأنٌ ومكان، ويتحكم بمصير الجن والجان.

وكي أوضح الموضوع أكثر، فإن هذا الحادث حصل قبل جريمة ما يعرف بـ “التسفير الجماعي للتبعية” عام 1980 التي شملت ما يقارب المليون عراقي من مختلف المحافظات، وخاصة بغداد والنجف وكربلاء والبصرة والكوت وميسان. حيث سبق هذه الحملة حملات صغيرة ابتدأت منذ عام 1963 لتسفير من يحملون أوراق إيرانية، ويسكنون قانونياً بإقامة عمل في العراق. أي انها كانت منذ زمن الشاه، وقبل تأسيس الجمهورية الإسلامية. من ذلك نستنتج ان هناك فئة من الشعب العراقي، تعاني من عقدة إيران والإيرانيين، وكل ما له صلة من قريب او بعيد. طبعاً ان تختلف او حتى ان تكره حكومة او سياسة بلد ما مسألة ربما تكون مشروعة، اما انك تكره البلد كله او الشعب كله او الطائفة كلها، فهذا ما يسمى بالتعصب الشوفيني وهو غير إسلامي وغير قانوني وغير أخلاقي وغير انساني.

#التبعية_الإيرانية        #التعصب     #تسفير_التبعية        #محمد_حسين_النجفي        #www.afkarhurah.com
#mhalnajafi.org
أنظر أيضاً:
تبعات التبعية: قصة فتاة كربلائية

محمد حسين النجفي
رئيس تحرير موقع أفكار حُرة
www.afkarhurah.com

كرادة 1958

شارع الهندي الكرادة الشرقية

تعتبر الكرادة الشرقية من بين اهم ضواحي العاصمة بغداد من حيث تعداد النفوس والمساحة الجغرافية والتنوع السكاني. إلا ان اهم ما يميزها هو كونها شبه جزيرة يلتف حولها نهر دجلة العظيم من ثلاث جهات. كذلك كورنيش ابي نوأس ومقاهيه الجميلة والسمك المسقوف وبهجة وشعبية الكرادة داخل، وروعة ونظافة الكرادة خارج، وتحرر وحداثة عرصات الهندية وأناقة منطقة المسبح. ويعتبر شارع الهندي من بين الشوارع المهمة في قلب الكرادة الشرقية حيث يقع في منطقة البو جمعة ما بين منطقة الهويدي والبوليسخانة. قضينا في شارع الهندي احلى أيام الطفولة والحداثة والمراهقة من عام 1954 لغاية عام 1961، سبعة أعوام مهمة في ترعرع ونمو شخصية أي انسان ورسم ابعاد توجهه في الحياة. لم يكن شارع الهندي منطقة سكنية محدودة، وإنما كان محلة متكاملة وكأنها مدينة صغيرة في قلب الكرادة الشرقية. من بين الأحداث المهمة في هذه الفترة هي افتتاح البث التلفزيوني، والتعداد السكاني لعام 1957، ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، احداث الموصل في آذار عام 1959، احداث كركوك في تموز عام 1959، محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم يوم 7 تشرين الثاني عام 1959، ومشاهدة النقل المباشر لمحكمة الشعب (المهداوي).

كانت الألعاب التي نمارسها في الشارع موسمية.  ففي الصيف يبدأ موسم الطيارات الورقية من السطوح، وكنا أحيانا نعلق في الخيط فوانيس ورقية بداخلها شمعة كي تضيئ في الليل. واحيانا نغلف الخيط بطحين البامية اليابسة حيث نطحن البامية اليابسة ونمررها على الخيط وننشر الخيط حتى ييبس كي يتحول الخيط حاداً كالسكين اذا ما تقاطع مع خيط آخر لشخص غريم يقطعه ويفقد طيارته الورقية. وهناك موسم “المحية” وهو موسم يستخدم به  البوتاز (مفرقعات) نصنعها في البيوت وهي ممنوعة قانونياً ولكن الكل يستعملها. نشتري المادة المتفجرة وهي مسحوق مثل الكركم من “حسن علو” وهو بقال في منطقة سبع قصور. ونجمع حصى في خرقة قماش نضع فيها عدة حصوات وننشر عليها الزرنيخ (المسحوق القابل للانفجار) ونشدها بخيط. وعند رميها في الشارع على ارض صلبة تنفجر وتحدث صوت مدوي. ولعبة الدعبل من اكثر الألعاب ديمومة وعلى مدار السنة. وهناك لعبة المرصع والجعاب والصنطرة توتو، ولعبة البوزة وهي خض بطل الكوكا كولا وفتحه والمراهنة الى أي حد تصل بوزة الكوكا المنسابة من القنينة، وغيرها الكثير من الألعاب. وحينما وصلنا عمر الأحداث كانت لعبة كرة القدم من أهمها وكنا نتابع الفرق الرياضية وخاصة منتخبي آليات الشرطة ومنتخب القوة الجوية ومنتخب الزوراء، ونذهب لمشاهدتها في ساحة الشرطة قرب القصر الأبيض وساحة الكشافة في الأعظمية.  ومن بين المشهورين في كرة القدم آن ذاك كان جمولي (جميل عباس)، عمو بابا، ارشاك، يورا، قاسم زوية، حامي الهدف لطيف شندل وحامد فوزي والمعلق الرياضي المشهور مؤيد البدري.

بيتنا في شارع الهندي. كان لونه أبيض
بيتنا في شارع الهندي. كان لونه أبيض

من بيت اهم السكان القاطنين تلك الأيام في شارع الهندي بيت الحاج حسن الأمين الدقاق، من تجار الحبوب المهمين في علاوي الشورجة، ومنهم صديق العمر حكمت محمد جواد الدقاق، وبيت الكاتب والمؤرخ العراقي السيد عبد الرزاق الحسني ومن أبنائه قاسم وأمين وأنور والصديق طارق و زملاء الدراسة في مدرسة الحكمة الابتدائية سليم وابنته أحلام، وبيت مهدي الطالب مالك شاحنات نقل ضخمة، وأبنائه سلمان وسالم والأصدقاء خميس وصباح وحامد، وبيت امير رومايا ومنهم الصديق هلال حنا، وبيت المحامي عبد الحليم القيم ومنهم الصديق علي القيم وبيت السيد عبد الأمير السيد صالح النجفي ومنهم الصديق زكي وسعد، وبيت عبد الأمير الجميلي وعبد الغني الجميلي العائلة المعروفة بصناعة بسكويت الجميلي المشهور وأبنائهم فوأد وأياد ومعن (وقد أعدم فوأد في عام 1979/1980)، وبيت سبع ومنهم علي وسامي وبشير وعلي الزغير، وبيت العقيد يوسف شكوري وهو صيدلي واصبح مدير صحة الشرطة العام، وبيت الدكتور نبيل الذين يعتبرون من أوائل سكنة شارع الهندي وكذلك الحسني، وبيت عبد علي الطحان ومنهم الأخوة سعيد وسمير أبناء الخياطة المشهورة حسنية السورية الأصل وكانت تعمل معها فاطمة النجفية، التي أصبحت تعمل لنفسها في بداية الستينات، وبيت العبيدي ومنهم البقال حميد (قنبل) وبيت الجراح ومنهم ماجد الجراح وبيت الزبيدي ومنهم الصديق إبراهيم  وغيرهم كثيرون. لكل واحد من هذه البيوت قصة تحكى ولكل من أصدقائي احداث تاريخية  تذكر. ولكن في جميع الأحوال كان ذلك زمناً جميلاً وكان عصرنا الذهبي.

الواقف في الخلف حسن محمد علي، الخط الثاني من اليمين اخي رعد، ابن خالي صالح مهدي، اخي عصام الخط الأمامي اختي انوار، اخي سعد، اختي عالية وخلفهم تظهر شاحنة مهدي الطالب التي تحدثنا عنها
الواقف في الخلف ابن عمتي حسن محمد علي، الخط الثاني من اليمين اخي رعد، ابن خالي صالح مهدي، اخي عصام، الخط الأمامي اختي انوار، اخي سعد، اختي عالية وخلفهم تظهر شاحنة مهدي الطالب التي تحدثنا عنها

العوائل التي تحدثت عنها واولهم السيد عبد الرزاق الحسني كاتب واديب ومؤرخ أساسي للوزارات العراقية. كان يخرج من بيته صباحاً وبيده كتاب يقرأه من خلال نظاراته الطبية الصغيرة التي يضعها على نهاية انفه، والتي كنت استغرب كيف انها لا تسقط من وجهه الى الأرض. فهو يمشي ويقرأ الى ان يصل ناصية الشارع العام دون النظر يميناً او شمالا ولا يسلم على هذا او ذاك، واعتقد ان ذلك كان مقصوداً. ومن هناك يستخدم سيارات الأجرة (النفرات) للوصول الى ديوان رئاسة الوزراء حيث مقر عمله. لم يكن اجتماعيا مع جيرانه، الا انه في فصل الربيع كان يبعث باقة ورد جوري “ياسمين” صغيرة بيد ابنته أحلام للجيران في الصباح. ظاهرة جميلة لم تكن شائعة ولم يقلدها أي من بقية الجيران. لم تكن علاقته جيدة مع جاره مقابل بيته وهو مهدي الطالب (أبو سلمان)، وهو شخصية محترمة جداً في محلتنا. لأن أبو سلمان كان يملك عدة شاحنات كبيرة لنقل الرمل والحصى، ضوضائها صاخب جدا. لم يعتقد السيد الحسني ان شارعنا كان مناسبا كموقف لمثل هذه الشاحنات. اما الحاج حسن الدقاق وعائلته فهم من اقدم العلاقات العائلية لعائلتنا من قبل الوالد والوالدة. علاقة الوالد معهم قبل نزوحنا الى بغداد من النجف الأشرف. وكانوا اول جار لنا في بغداد محلة الدهانة مقابل جامع المصلوب. وكان من كبار تجار المواد الغذائية التموينية مثل الرز والحبوب، يساعده في ذلك ابناءه محمد جواد (أبو حكمت) وعباس (أبو حيدر). كانوا عائلة كبيرة وكان الصديق حكمت وانا متلازمين دائماً واشتركنا في كل الألعاب ومارسنا كل المسموحات والممنوعات معا وتعرضنا للمسائلة والضغوط والاضطهاد كأننا توأم.

كنا حكمت وانا لدينا معلومات واسعة عما يحدث في شوارع الكرادة سواء المعلنة منها والمخفية. من كان صديق من؟ ومن هي صديقة فلان؟ ومن هو صديق فلانة؟ اي من المعلمين ممن كانوا يعتدون على الطلاب جنسياً؟ من هم الشقاوات في المنطقة؟ من هم الذين يديرون محلات التل خانه ( وهي مقاهي شعبية في النهار تغلق وتتحول بعد منتصف الليل الى نشاطات ممنوعة من بينها لعب القمار). كل تلك المعلومات كانت تصل الينا ونحن مازلنا في بداية عمر المراهقة،  إلا انها خلقت لدينا وعياً شارعياً لعب دوراً كبيراً في حمايتنا من الاعتداءات التي كان يتعرض لها الأطفال والأحداث والتي لا تعد ولا تحصى لدرجة انها كانت شائعة لتكون واقع مرير تتستر عليه العوائل لجسامة وفشاحة تداعياته على الضحية والعائلة. كنا نرى ونعلم بتعرض بعض أصدقائنا لهذه الممارسات وكيف يؤثر ذلك على سلوكهم الفردي وانكسارهم النفسي وانسحابهم من الاختلاط الطبيعي مع الآخرين.

وُلد اخي سعد في 7 أيار، عام 1957 واخي سلام في 29 أيلول عام 1959 في شارع الهندي. كذلك توفى جدي لأبي تبعه وفاة جدي لأمي. من طبيعة والدتي انها لا تخرج من البيت إلا نادراً، لأننا والحمد لله خمسة أولاد واختين. لم تكن والدتي تستطيع ان تزور الجيران وذلك لكثرة مشاغلها مع أبنائها، الا انها كانت تستأنس بزيارة جيراننا لنا ومنهم ام حكمت وام حيدر وفاطمة وسنية من بيت الحاج حسن الدقاق وكانوا مثل الأهل معنا يزورونا متى شاءوا بدون اية رسميات.

كان في راس شارع الهندي كرادة داخل (على الجوة) عيادة للدكتور صادق أبو التمن (والد الصديق لؤي لاحقاً)، يقابله على الجانب الآخر عيادة الدكتور صاحب علش. اما على يسار مقدمة شارع الهندي فكان هناك نوعان من المحلات. المحلات الدائمة مثل بقالة عبد الحسن وبياعي الفواكه والخضر الذين يفتحون صباحاً ويغلقون مساءاً، إلا انهم لا متاجر ثابته لهم ومنهم “بيبية” وابنائها سالم وصديقنا نعمة، وكذلك الإخوان هادي ووادي، وغيرهم كثيرون. وعلى يمين شارع الهندي باتجاه الباب الشرقي دكان لصاحبه إبراهيم قربان الذي كان مظهره يدل على انه معلم او موظف مصرفي من انه صاحب بقالة. بينما على مسافة منه قرب موقف باص الأمانة كان محل حميد العبيدي (الملقب بحميد قنبل) الذي كان ملائماً اكثر لمصلحته. وبينهما كان المحل الكبير الواسع لحلويات “الحاج جواد الشكرجي” وهو من الرموز التجارية المعروفة لصنع وتوزيع الحلويات في بغداد والذي يمتلك فروع عديدة ومتميزة.

كانت الكرادة الشرقية تحوي مجتمعات راقية ومجتمعات متدنية في آن واحد. تحوي على العديد من الجوامع والحسينيات ومنها حسينية “عبد الرسول علي” التي كان الشيخ الوائلي يؤممها في العشرة الأيام الأولى من شهر محرم الحرام وعشرة أيام من شهر رمضان. وكان شارع ابي نوأس الذي يبدأ من الباب الشرقي وينتهي في شارع الكنيسة (البوليسخانة) آن ذاك قبل ان يتم تكملته ليصل الى الجسر المعلق ثم ليصل الى الجادرية. كان ابي نوأس مركزاً سياحياً وترفيهياً لعموم بغداد حيث تنتشر على امتداده العديد من المطاعم والمقاهي ومحلات الشرب التي يرتادها الرجال فقط في ذلك الحين ومنها مقهى الحدباء لصاحبها “زناد” الذي كانت مقهاه سابقاً في البتاوين محل عمارة النصر حالياً ولديه مقهى في نهاية سوق التجار وعلى ضفاف نهر دجلة. وثلاثية مقاهي الصفراء والخضراء والحمراء. كذلك كانت الكرادة مركزاً للعديد من المثقفين والسياسيين المعروفين، ومنهم الدكتور إبراهيم كبة وزير الاقتصاد في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم، وشاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري ومؤرخ الوزارات السيد عبد الرزاق الحسني واستاذ القانون الدولي الدكتور محمد علي الدقاق والدكتور الجراح عبد المجيد حسين مؤسس مستشفى عبد المجيد والتجار المعروفين عبد الرسول علي ورضا علوان وجابر مهدي البزاز. 

كان شارع الهندي بالنسبة لي مدرسة الحياة التي بنيت فيها معالم شخصيتي وتوجهي في الحياة. في هذا الشارع تنبهت سياسياً لما يدور حولي وكونت توجهاً منحازاً لأفكار ظلت عالقة طول العمر. وفي هذا الشارع بدأت مبكراً في قراءات ثقافية لم يتسع للغير الاهتمام بها. قرأت لعلي الوردي “وعاظ السلاطين” و”مهزلة العقل البشري”، وقرأت لجورج جرداق “علي صوت العدالة الإنسانية“. وفي هذا الشارع تعرفت على الشيخ احمد الوائلي حينما كان في عز شبابه. وفي هذا الشارع بدأت العمل مع والدي في الشورجة. وفي هذا الشارع خفق قلبي لعلاقات عاطفة منها البريء ومنها الغير بريء. وفي هذا الشارع نمت لديّ أفكار سياسية، وعاصرت احداث سياسية جسام مثل ثورة تموز عام 1958، وحركة الشواف في الموصل، ومحاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد.

وفي تلك الأعوام المفصلية في بداية الستينات بدأت الأحداث في العراق تأخذ منحى معاكس. حيث تحول الصراع بين الأفكار والبدائل السياسية الى صراعات دموية سفكت بها دماء السياسيين المتخاصمين، وكانت حصة الأسد في الضحايا من نصيب اليساريين خاصة من سكنة الموصل، مما جعل سفك الدماء بشكل جماعي بعد حركة 8 شباط المشؤومة امراً استمرارياً لما حدث من قبل. وفي نفس الوقت بدأت الدول الخارجية تتدخل بشؤون العراق وخاصة الجمهورية العربية المتحدة (مصر)، والعالم الغربي. إن ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، لم تكن انقلاباً عسكرياً لتغيير من هم في سدة الحكم، وانما كانت حركة ثورية تنشد التغيير الجذري في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وعليه اتخذت الثورة خطوات ضربت بها مراكز نفوذ تقليدية في الداخل، وحجمت المصالح الأجنبية في الخارج. ومن بين هذه الخطوات كان قانون الإصلاح الزراعي، وقانون الأحوال الشخصية، وهذين القانونين الحقا الضرر بمصالح ونفوذ رجال الدين الذين يُمولون من قبل رؤساء العشائر وهم في معظم الأحوال ملاك أكبر وأخصب الأراضي الزراعية، التي استولوا عليها أثناء حقبة العهد الملكي. كذلك فعل قانون الأحوال الشخصية، حيث نظم هذا القانون علاقات الزواج والطلاق والإرث  بما يضمن حقوق المرأة ويرفع من شأنها. وبذلك انقسم الشعب العراقي بين مؤيد للزعيم ومعادي له. يضم الفريق الأول ما لا يقل عن 80% من الشعب العراقي خاصة الفقراء والعمال والفلاحين والكسبة، وسياسياً الشيوعيين وقسم من الحزب الوطني الديمقراطي. ويضم الفريق الثاني البعثيين والناصرين، وتضامن معهم بعض رجال الدين والإقطاعيين الذين تضررت مصالهم الشخصية، مع اسناد خارجي قوي جداً. وبذلك ابتدأت سلسلة المؤامرات، من عبد السلام عارف، ثم رشيد عالي الكيلاني، ثم حركة الشواف في الموصل، واحداث كركوك الدموية بين الأكراد والتركمان، ومحاولة اغتيال الزعيم في شارع الرشيد

كان لهذه الأحداث ابعاد سياسية واجتماعية أثرت على علاقة الجيران بعضهم ببعض، وعلاقات الصداقة، في المحلة وفي المدرسة. وبدأ الكل يفكر اين موقعه وأين موقع الجيران والأقارب والأصدقاء من ذلك. وبدأت الحوارات في الدوائر الحكومية، والمتاجر التجارية، والمدارس والجامعات، وفي البيوت كلها سياسية. وادى ذلك الى تحول بعض الصداقات الى عداوات، والى انفضاض بعض المجالس بالصياح والعياط، هذا يدافع عن الزعيم وذلك يحب جمال عبد الناصر ويريد الوحدة مع مصر. وكانت محاكمات المهداوي (محكمة الشعب الخاصة) تؤجج هذا  الصراع لأنها كانت تُنقل حية عبر شاشات التلفزيون الذي كان الجميع يلتصقون به من اصغر فرد في العائلة حتى اكبرها. واتذكر جيداً ان ابي اشترى التلفزيون وادخله في بيتنا كي يشاهد محكمة الشعب التي ابتدأت بمحاكمة رجال العهد البائد (العهد الملكي) أمثال بهجت العطية وسعيد قزاز. ثم تبعها محاكمة عبد السلام عارف، وكانت اشهرها محاكمة ناظم الطبقجلي ومن ثمّ المشتركين بمحاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم

محمد حسين النجفي
رئيس تحرير موقع أفكار حرة

#محمد_حسين_النجفي         #شارع_الهندي       #الكرادة_الشرقية       #www.afkarhurah.com#             www.mhalnajafi.org

        

You have successfully subscribed to the newsletter

There was an error while trying to send your request. Please try again.

أفكار حُـرة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي will use the information you provide on this form to be in touch with you and to provide updates and marketing.