أفكار حُـرّة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي
صوت معتدل للدفاع عن حقوق الأنسان والعدالة الأجتماعية مع اهتمام خاص بشؤون العراق
“الأنسان لديه عقل ومبادئ، كي لا ينساق بمشاعر عاطفية، الى خندق مناهض للمبادئ الأنسانية”
سألني احد الأصدقاء سؤآلا عابراً: لمن تعطي ولائك للوطن او للدين او للطائفة او للقومية او للعقيدة السياسية؟ كنا في مناسبة اجتماعية بين مجموعة من الأصدقاء، والصديق العزيز فاجئني بهذا السؤآل امام جمع من الحضور من المعارف والأصدقاء. ولربما سؤآل كهذا يحرج او يربك او يؤدي الى اجابات مربكة اوغير مقعنة في معظم الأحيان. لم أتردد في الأجابة عن هذا السؤآل، لأني سبق أن فكرت به ملياً، ويدور في ذهني كثيراً، خاصة ونحن نعيش في عالم مليئٌ بالصراعات والتناقضات التي في معظمها مفتعلة وتافهة ومؤلمة لجسامة مردوداتها السلبية التي تبقى آثارها لأجيال واجيال قادمة.
مما لا شك به، إننا جميعاً من لحم ودم ومشاعر وتاريخ وذاكرة لا تنمحي منها التجارب الموفقة ومنها الذكريات الأليمة، التي نمر بها في المراحل المتعددة من حياتنا. ولكن الأنسان لديه عقل ومبادئ وآراء سياسية واخلاق وتربية عائلية وإجتماعية تضعه ضمن اطار معين لسلوك ورأي في الحياة يحدد موقفه من الأحداث التي يمر بها واحدة تلو الأخرى، ومن المفروض ان تشكل له حصانة ودرع واقٍ كي لا ينساق بمشاعر عاطفية بحته، والأنضمام الى خندق مناهض للمبادئ الأنسانية.
ولكي استطيع ان اعبر عن موقفي، اود ان اذكر حادثة ربما تبدو بسيطة إلا انها توضح ما اريد ان اصل اليه. ففي عام 1968، جرت مبارات نهائي كأس العالم العسكري بكرة القدم، وكانت بين الفريق التركي والفريق اليوناني ليتنافسا على ملعب الشعب في بغداد، من اجل الفوز بالكأس لتلك الدورة. والكل يعلم طبيعة العلاقة الحساسة لا بل العدوانية بين تركيا واليونان، نتيجة لتاريخ مثقل بالحروب فيما بينهما. ومن الطبيعي جداً ان يكون الجمهور البغدادي، وهو الحاضر الوحيد على مدرجات الملعب، ان يكون مُشجعاً برمته للفريق التركي بأعتباره فريق الدولة المسلمة والمجاورة للعراق ولوجود تاريخ مشترك لمئات السنين. وهذا ما حصل بالفعل. ولكن حينما حقق الفريق اليوناني تقدماً على الفريق اليوناني، بدأ الحماس يتغلب على الفريقين، واخذ الفريق التركي يلعب بخشونة، تزداد قسوةً لحظة بعد لحظة، من بينها الدفع المتعمد والتكسير، وغير ذلك من اللعب الغير ودي. وكان من الملاحظ ان الجمهور بدأ تدريجياً يفقد حماسه للفريق التركي، ليتحول الى جمهور محايد. الجمهور العراقي بأخلاقه الكريمة وحبه لكرة القدم والاخلاقيات الرياضية، لاحظ ان الفريق اليوناني، احتفظ بأناقته في الملعب، ولم ينجرف ليجابه الفريق التركي بنفس اسلوبه في التكسير المتعمد واللعب دون اخلاق رياضية. في هذه الأثناء بدأت مشاعري تتغير وامنياتي تحولت الى الرغبة في ان يفوز الفريق اليوناني، وليس مستغرباً ان شاركني في ذلك كل الجمهور العراقي في تشجيع الفريق اليوناني الذي فاز بأربعة أهداف ضد هدف واحد، بفضل تشجيع مدرجات ملعب الشعب له.
ارجوا ان يكون هذا المثال كافِ لتوضيح لمن يكون ولائي. نعم ومؤكد ان يكون ولائي لأبناء جلدتي، لأبناء وطني، لأبناء طائفتي، لأبناء قوميتي، حينما يكونون على حق، وليس ولاء مطلق غير مشروط. يقول المثل: انا واخي على ابن عمي، وانا وابن عمي على الغريب. وهذا مثالٌ على الولاء المطلق غير المشروط دون معرفة الحق من الباطل. وفي اعتقادي ان هذا القول لازال له انصاره، واتباعه، ومؤيديه للأسف الشديد. وهو ولاء ذو نزعة جاهلية غير حضارية.
اذن الولاء الأول والأخير هو للأنسانية، وللأخلاق، وللعدالة، وللحق. طبعاً يبدوا ذلك تهرب ذكي بدل الأجابة بصراحة على السؤآل. وعودة الى سؤآل الصديق العزيز، وكما قلت حول سؤآله اذا خُيرت بين الوطن والدين، وبين الدين والطائفة، و …….. الخ. جوابي كان، اذا كان وطني على حق، وديني على حق، ومذهبي على حق، فإن المفروض ان لا يحدث صراع او تناقض بينهما. واذا حدث صراع او تناقض فيما بينهما، فمن واجبنا ان نتعرف على الحقيقة بحيادية لتحديد الموقف المناسب، وليس على نغمة انا واخي على ابن عمي ….. .
25 اكتوبر 2021
محمد حسين النجفي
رئيس تحرير موقع أفكار حُرة
www.afkarhurah.com
يقيناً كنتُ أشعر بلذة النص وأنا أقرأ بإعجاب كيف تمكّن الكاتب من أن يدير دفة سفينة النص بأريحية عالية، كما يعمل ربّان سفينة خبر البحر وتقلباته، فصار يقود سفينته بين الجبال الجليدية من دون ضرر.
سلمت ودام وعيك الإنساني الحر أخي أبا عامر الجميل أستاذي البجيل محمد حسين النجفي.
استاذي الفاضل الدكتور محمد عبد الرضا شياع، شهادة افتخر بها، ويشرفني ان يكون لي صديق حميم يرشدني في عالم الثقافة والادب. ممتنٌ جداً لكم اخي الكبير أبا إيناس