أفكار حُـرّة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي
صوت معتدل للدفاع عن حقوق الأنسان والعدالة الأجتماعية مع اهتمام خاص بشؤون العراق
منذ بداية القرن العشرين كانت الرعاية الصحية من بين اهم الواجبات والخدمات التي تقدمها الحكومات لشعوبها. حيث كانت المستشفيات والمستوصفات والعيادات الشعبية من بين اهم المراكز الصحية وافضلها في تقديم الرعاية الطبية لمواطنيها. وهذا لا يمنع من ان الأطباء والممرضين كانوا يقدمون خدمات بعد انتهاء الدوام مساءاً في عياداتهم او في زيارات منزلية للمرضى غير القادرين على التحرك. وهذا ما كان عليه الوضع في معظم دول العالم. إلا انه بعد تحول روسيا من دولة قيصرية الى دولة اشتراكية حُولت الخدمات الطبية لتكون من الخدمات التي تقدمها الدولة حصرياًاً لمواطنيها. تبعها بعد ذلك الدول التي انظمت الى الأتحاد السوفيتي ثم الدول الأوربية الشرقية مثل بولونيا وبلغاريا وجيكوسلوفاكيا التي كانت ضمن الساتلايت السوفيتي.
اما بالنسبة للدول النامية مثل مصر وسوريا والعراق فإن الرعاية الصحية كانت من اوليات اهتمام الدولة. حيث الكل يعرف انه في بغداد كانت مستشفى المجيدية وكذلك مصح للعزل (الكرنتينه) من الأمراض المعدية، التي اسسها الوالي العثماني عبد المجيد باشا والتي طُورت وتحولت الى المستشفى الملكي عند تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ثم اعيد تسميتها بالمستشفى الجمهوري بعد ثورة 14 تموز 1958. ومن بين المشاريع التي خطط لها مجلس الأعمار في العهد الملكي واستكملت بعد ثورة تموز، كانت اضافة مدينة الطب في بغداد وانشاء مستشفيات متخصصة ببعض الأمراض وفي المحافظات، ومنها مستشفى الفرات الأوسط في الكوفة. وكان هناك مستشفى متخصص للامراض العقلية ومستشفى التويثة للأمراض المعدية والتي تستخدم لعزل المرضى الذين يصابون بأمراض معدية مثل الجدري او السل. اضافة الى التوسع الهائل في كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان وبكلوريوس التمريض.
كانت الدولة في العهود الملكية في مصر والأردن والعراق تقدم اهم الخدمات الأساسية للحفاظ على ولتطوير المجتمع وهي: الأمن والأمان، التربية والتعليم بضمنها التعليم الجامعي، والرعاية والخدمات الطبية، واخيراً توفير السلع التموينية مثل الخبز والرز والسكر والشاي. وارجوا ان اعيد الذكر من ان هذه الدول لم تكن اشتراكية ولا شيوعية وانما كانت ” دول” بمعنى الكلمة من هذه الناحية.
ومن بين ضحايا الحرب الباردة وسقوط الأتحاد السوفيتي وتغير الأوضاع السياسية ما قبل الربيع العربي وما بعده هو اضمحلال دور الدول في رعاية شعوبها. ومن بين اهم الأسباب لذلك ان العديد من الدول تحولت الى دكتاتوريات مقيتة خنقت الانفاس مثل مصر وسوريا والعراق، اوديمقراطيات طائفية ومحاصصية فاسدة مثل لبنان وعراق اليوم. ونتيجية لهذين النموذجين اللذين اصبحى السمة الغالبة على طبيعة السلطة في عموم دول العالم الثالث، نمى شعور بعدم الثقة في الدولة وكل ما تقدمه من خدمات ومنها الخدمات الطبية. واذا اردنا ان نأخذ العراق نموذجاً فإن الدولة ما بين عام 1979 الى 2003 لم تهتم بالخدمات وانما ركزت على الحروب وعلى الحفاظ على عرش السلطة. ومنذ 2003 ولغاية اليوم، فإن الطبول تقرع لتنمية القطاع الخاص في كافة المجالات ومنها الخدمات الطبية. إلا ان الفساد المالي والمحاصصة والتصور الخاطئ الذي قدمه بريمر من ان الدولة غير مسؤولة وامنحوا الفرصة للقطاع الخاص، ادت دورها بشكل فعال لأنكفاء ما تبقى من الأمكانيات الخدمية في المستشفيات الحكومية. إلا انه لم ينهض بالقطاع الطبي الخاص الذي بقى عاجزاً عن سد الفراغ ولعب الدور الذي كان متوقعاً منه. كذلك فإن غياب الأمن والامان ادى الى هجرة اكفأ الأطباء والمتخصصين الى الأردن والأمارات ومن هتاك الى العالم الغربي. لذا نرى اليوم حتى غير المتمكنين مالياً يذهبون للخارج لغرض المعالجة الطبية حتى لابسط العلاجات او العمليات المتعارف عليها، مثل عمليات القلب والعيون والأمراض المزمنة. واصبحت لبنان وتركيا والهند وبريطانيا وغيرها من المحطات الطبية الاساسية لعلاج العراقيين.
واليوم وكورونا فايرس الكارثي ينتشر في كل بقاع العالم، ونرى كيف ان الدول المتقدمة طبياً في العالم بقطاعها العام الكفوء مثل الصين وروسيا واوربا والدول التي تتبجح بكفائة وتقدم الطب فيها بقطاعه الخاص مثل الولايات المتحدة، نرى الأثنين في حالة من الذهول والعجز وعدم الكفاية والكفائة. فما بال الدول التي خدماتها الطبية العامة مستهلكة وقطاعها الطبي الخاص طفيلي وغير انساني وغير كفوء على اية حال. اما الصحة العامة والرقابة والتفتيش الصحي فإنها شبه معدومة وضعيفة وخاضعة لفساد اداري ومالي كارثي. السؤآل هو ماذا سيكون مصير هذه الشعوب التي اليوم هي في بدايات انتشار هذا المرض الفتاك فيها. لابد من اعادة النظر في حجم وكفائة الخدمات التي يجب ان تقدمها الدولة لمواطنيها ومنها الخدمات الطبية، لأن مثل هذا الوباء وغيره ربما سيتكرر، وكما لاحظنا فإن العلاج يجب ان يكون محلياً لا في الهند ولا لبنان ولا بريطانيا، لأن كل الدول تمنع السفر، وتصيح واروحاه.
قراءات في نفس الموضوع:
مناجات في زمن الكورونا
محمد حسين النجفي
15 نيسان 2020
www.mhalnajafi.org
اخي الغالي ابو عامر تحليلك جدا صحيح فيما يخص الرعاية الصحيه في بلداننا الناميه وبشكل خاص العراق وبالنسبه للعالم اجمع بشكل عام هناك نقص وتدهور في العنايه الصحيه جعلني افكر هو ان اتجاه العالم نحو التكنولوجيا ووسائل الاتصالات الحديثة قد أخذت حيز كبير في الاهتمامات البشرية وقد يكون هذا هو احد الأسباب في الوقت الذي لا يجوز ان نفقد التوازن او بالأحرى لا يجوز ان يكون على حساب العلوم البيولوجيه والأبحاث الطيبه التي لها علاقه بصحه الانسان ولك جزيل شكرنا
احسنتي الأضافة اختي ام وسام. وعلى الرغم من ان الرعاية الصحية يجب ان ان تكون اهم الأولويات بالنسبة للدول وللشركات إلا انه للأسف الشديد نرى ان الأستثمار في قطاعات السياحة والرياضة والتقدم التكنولوجي هو المركز عليه بدوافع الربحية.