أفكار حُـرّة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي
صوت معتدل للدفاع عن حقوق الأنسان والعدالة الأجتماعية مع اهتمام خاص بشؤون العراق
“لاحظت ان هناك إجابة رقمية دون عمليات حسابية تسبقها؟ كان واضحاً انها نقلت الرقم النهائي من زميل مجاور.
منحتها صفر، ووصمت ورقتها بأنها غش”
مقالة نشرت في صحيفة المثقف الألكترونية، العدد: 5629 بتاريخ 2/2/2022 أفتح الرابط أدناه، أو إقرأها في هذا الموقع:
رابط صحيفة المثقف
ما أحلى الحياة الأكاديمية، فقد كنا مجموعة من الشباب المندفعين الى اقصى درجات الأندفاع. نحاضر ونؤلف كتب وننشر أبحاث ونكتب مقالات، ونريد ان نصلح الجهاز التعليمي ونطور المناهج الدراسية، ونرفع المستوى العلمي في جامعتنا، الجامعة المستنصرية. نعم كنا مجموعة متحمسة من التدريسيين الجدد معظمنا خريجوا الدورة الأولى لماجستير أدارة الأعمال وماجستير الأقتصاد والدبلوم العالي لمراقبة الحسابات من جامعة بغداد، أذكر منهم الزملاء محمد عبد الوهاب العزاوي، حمزة الشمخي، عاملة محسن ناجي، تقي العاني، هناء أياس، مهدي صالح العاني، ماجدة العطية، أوس، فوزي العاني، شلال الجبوري، فاضل عبد الستار، فتوح العمران، وغيرهم كثيرون.
كان الكادر التدريسي في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي، ينقسم بالنصف تقريباً، نصفهم مصريون والنصف الآخر عراقيون. كان زملائنا المصريون، جادين في عملهم، مخلصين في إدائهم، يتمتعون بقدرة تدريسية جيدة، إلا انهم لا يستطيعون ضبط الصف خاصة في أداء الأمتحانات الفصلية. وكانت هذه الظاهرة مؤثرة على سلوك الطلبة وإنضباطهم، ويشكل تبايناً شاسعاً بين مراقب عراقي او مصري. وطبعاً لهم أعذارهم فإنهم يخافون المشاكسة مع الطلبة، خاصة في الدراسات المسائية حيث كان معظم الطلبة موظفين في أجهزة الدولة ومنهم ضباط في الجيش والشرطة، ومراتب حزبية عالية في حزب السلطة.
وكما يحدث في كل الأمتحانات فإن بعض الطلبة يغشون او يحاولون الغش حتى وإن كانوا في سن متقدم. أجريت امتحان للفصل الثاني وهو من عشر درجات فقط لطلبة الصف الثاني مسائي لمادة أدارة التسويق، وكان احد الأسئلة يتطلب عمليات حسابية لتقرير سعر البيع لأحد السلع. لاحظتُ أن الآنسة (س) تتطلع كثيراً يميناً وشمالاً، لتحصل على مساعدة (غش). نبهتها عدة مرات، إلا انها كانت مستميتةً، وغير مبالية. وحينما اعطتني ورقتها الأمتحانية، لاحظت ان هناك إجابة رقمية دون عمليات حسابية تسبقها؟ راجعت الموضوع عند التصحيح، وكان واضحاً انها نقلت الرقم النهائي من زميل مجاور. منحتها صفر من عشرة، ووصمت ورقتها بأنها غش. طبعاً هذا لا يعني انها لا تستطيع النجاح. كل ما عليها ان تجمع خمسين من أصل تسعين درجة المتبقة وتنجح.
بعد يومين فقط بعث في طلبي معاون العميد لشؤون الطلبة الزميل شلال الجبوري، وسألني ما هي قصة (س)؟ حكيتها له كما هي. طلب مني أن اعيد النظر في التصليح، أو اعادة امتحانها، او …… كلها حلول ليست اكاديمية، وإنما مساومات أسترضائية. رفضت إعادة النظر، او أعادة الأمتحان لأن العذر لم يكن غياب بسبب المرض او السفر او أيفاد أو …… عند ذاك سحب شلال من درج مكتبه كتاب من “القيادة القومية: قسم شؤون الطلبة العرب” مُعنون الى العميد، يطلب فيه التدخل لمصلحة الطالبة “العربية س” ومحاسبة الأستاذ!!!!!!!!
والآن ما هو رأيك؟ قالها أستاذ شلال، وكأنه يقول لي: نحن لا حول ولا قوّة لنا. والحق يقال لو كان الامر بيده لأحالها الى لجنة أنضباطية، لأنه من التدريسيين الجديين جداً الذين لا يشجعون أي شكل من أشكال الإنفلات. ما كان مني سوى ان اقول له: ما الذي تريدني ان افعله؟ قالها على مضض، ان اغض النظر ونتجنب عواقب القيادة القومية. قلت له: عزيزي أبو رُقية: أنا لن اغير موقفي. هذه الطالبة غشت، وغشت بتحدي، وهذا اقل عقاب. أجابني وماذا عن كتاب القيادة القومية؟ قلت انه موجه للعمادة ولك وليس لي، اذا كان بإمكانك ان تغير التصحيح غيره بنفسك. قال: يبدو أنها على صلة بأعلى جهة في الحزب، قلت: انا لست حزبياً، أنا مدرس اكاديمي في الجامعة المستنصرية. احسست بالمُعضلة التي وقع فيها زميلي شلال، والأشكال الذي سأقع فيه من وراء تعنتي غير المناسب في مثل تلك الظروف، ولكن كان لابد من تثبيت موقف يتناسب مع القيم التي نشأتُ عليها. انتهى الحوار.
رابط ذا صلة: سيرة أستاذ جامعي: د. مهدي العاني نموذجاً
إدراكاً مني لخطورة الموضوع وتبعاته عليّ بشكل خاص، ولأدراكي من أن الأنسة (س) إحدى مدللات القيادة القومية، ذهبت في اليوم التالي الى المقر العام للأتحاد الوطني لطلبة العراق، للقاء رئيس الأتحاد وهو زميل سابق في الدراسات العليا “عبد الكريم محسن”. حينما رآني سبقني بالأعتذار، وقال لي ان المكتب الطلابي في القيادة القومية اتصلوا به حول الموضوع، وأخبرتهم من انك من افضل الأساتذة وعليهم ان لا يستمعوا للطالبة، ولكن للأسف يبدو انها تعرف قياديين على مستوى عالي جداً. حدثته بالذي جرى مع شلال، ووعدني انه سوف لن يُلحقني أو شلال أي ضرر من هذا الموضوع. واني لمتأكد، من ان شلال وعبد الكريم بذلوا جهداً كبيراً كي يجنبونني نتائج مخيفة. وليس من باب المبالغة إن قٌلت أنني بقيت في حالة خوف ورعب لمدة طويلة، وإن كنت لم أندم على موقفي إطلاقاً.
السؤآل الذي يخطر في بالي، أنه في ايام “الزمن الجميل” كان هناك قيادة قومية واحدة ومنظمة طلابية واحدة، وحزب حاكم واحد، ومع ذلك كان هناك بعض التأثير السلبي على العملية التعليمية، السؤآل: ما الذي يحدث هذه الأيام في جامعاتنا، وهناك اكثر من كيان سياسي وأكثر من تجمع سياسي وأكثر منظمة مسلحة، موزعة حسب الطائفة وحسب المنطقة والعشيرة، وحسب الدين وحسب الأنتماء الأثني. كيف يُقاوم التدريسي هذه الأيام، إذا ما هُدد بأسم العشيرة أو العائلة أو الطائفة، في ظروف افضل ما توصف به إنفلات أمني وتدهور ثقافي؟
محمد حسين النجفي
رئيس تحرير موقع أفكار حُرة
www.afkarhurah.com
#الجامعة_المستنصرية #التعليم_في_العراق #محمد_حسين_النجفي
قصة رائعة من زمن الاستبداد والطغيان الذي يتكرر دوما عبر السنين مع اختلاف المسميات.. الوضع الثقافي والتعليمي والمهني الان في قمة الاضمحلال، والنتيجة أفواج وافواج من مانحي الشهادات والاف من الجهلة الذين يحملون لقب دكتور وبروفسور وهم لا يفقهون من الأمر شيئا. هذا هو نتاج الامم الضعيفة وحسبنا الله ونعم الوكيل..
شكراً أستاذ ناجي على أضافتكم. تدهور مستمر ومُضاعف عبر السنين. الجيل الذي يتخرج هذه الأيام سيكونون قادة المستقبل. أي مستقبل للعراق اذا تخرج فيه الطبيب والمهندس والفنان بالواسطة او التهديد او بدفع الثمن؟