أفكار حُـرّة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي
صوت معتدل للدفاع عن حقوق الأنسان والعدالة الأجتماعية مع اهتمام خاص بشؤون العراق
“أرتقت قدرات الحرس الجامعي بتركيزها وبحرصها الشديد،
من كبس سرقة كانت تتم كل يوم أمام مرئ الناس وبوضح النهار”
كعادتي كل يوم أزور رئيس قسم الإدارة في الجامعة المستنصرية، حينما لا يكون لديّ حصة دراسية. أتحدث فيها قليلاً مع سكرتارية القسم متمثلة بالآنسة هاسميك آرتين* والآنسة هناء خليل، قبل الدخول إلى مكتب رئيس القسم للتباحث معه في العديد من الأمور، ذات ألاهتمام المشترك، ومنها نشاط لجان القسم الذي هو رئيسها بحكم منصبه وأنا عضوها ومقررها بالانتخاب. من بين أهم تلك اللجان لجنة المناهج الدراسية ولجنة تطويرالمكتبة ومركز التدريب والتطوير الإداري للقطاع العام. وكانت سكرتارية القسم تساعدنا كثيراً في طباعة محاضر الجلسات ومقترحات تطوير المناهج والمراسلات مع العمادة ورئاسة الجامعة. كانت كُلْيَة الإدارة والاقتصاد في النصف الثاني من سبعينات القرن المنصرم، وبالأخص قسم الإدارة يعمل كخلية نحل، حيث نظمنا دورتين تدريبيتين لإدارة التسويق الحديث، لموظفي القطاع العام التجاري، التي حققت نجاحاً باهراً واستحسانا من قبل المشاركين. كذلك نظمنا ندوة ثقافية في القاعة الكبرى للاحتفالات، قدمتُ فيها محاضرة عن أهمية التسويق والإعلان التجاري للدول النامية: العراق إنموذجاً. شارك وحاور فيها معي زميل مصري ومندوب من الشركة العامة للإعلان والتوزيع، وحضرها جميع طلبة الصف الثاني إدارة الأعمال وعميد الكلية ورئيس قسم أدارة الأعمال ومعظم أعضاء الهيئة التدريسية. هنأني العميد الذي كان منبهراً لنشاط لا سابقة له في الجامعة، وقال لي: أستاذ محمد، يجب أن نبعثك بأقرب فرصة لإكمال شهادة الدكتوراه**.
ولستُ مبالغاً إذا قلتُ أن سكرتارية القسم كانت تؤدي جُهداً كبيراً في إسناد جميع نشاطات القسم، ولا سيما في موسم ألامتحانات حيث يطبعون أسئلة ألامتحانات بكل أمانة وإخلاص. وبدلاً من أن يحصل مثل هؤلاء الموظفين على الترقية وكتب الشكر والتقدير، يحصل العكس في معظم الأحيان. ففي يوم مُبارك من أيام مجد ألكفاءة الإدارية، ومقارعة الفساد ومنع سرقة المال العام، في احد هذه الأيام ارتقت قدرات وإمكانات الحرس الجامعي بتركيزها غير المعتاد وبحرصها الشديد على الممتلكات العامة، من كبس سرقة كانت تتم كل يوم أمام مرئ الناس بلا خوف ولا خجل! نعم استطاع الحرس الجامعي من أكتشاف السبب الحقيقي وراء النقص المستمر بمعدل ستة وردات مع أغصانها ووريقاتهما الخضراء أسبوعيا من حديقة الجامعة. ففي صبيحة يوم ربيعي مشرق، لاحظ احد الحرس المقدامين أن إحدى ألآنسات الجميلات المجهزة بأدوات جارحة حادة متمثلة بمقص مشحوذ من الجانبين، قطعت ست أغصان متوجة بورود حمراء تزدهر بها حدائق الجامعة المستنصرية بأعداد لا تحصى. تتبعها الحارس الفطن من بُعد كي لا تلاحظ الآنسة انه يُلاحقها. وأخيراً وصلت الى مكتبها، وعرف الحارس مركز عملياتها السري للغاية!
رجع هذا الحارس الحريص على المال العام إلى رئيس الحرس وأخبره بالواقعة، واقعة قطع زهور الجامعة وسرقتها، ونقلها من حدائق الجامعة إلى مزهرتين زجاجيتين أحداهما على مكتب السكرتيرة هاسميك والأخرى لتزيين مكتب رئيس القسم. رفع رئيس الحرس والحارس الأمين على زهور المسلمين، رفع تقرير تفصيلي بعنوان:
م : قاطــــــعة الزهـــــــور
كان الأمر الإداري مطالعة قانونية وإدارية مُذهلة ومُقنعة، لم تترك مجالاً للشك لدى رئاسة الجامعة المستنصرية، التي بدورها رأت من الضرورة والحكمة مفاتحة عميد كُلْيَة الإدارة والاقتصاد، الذي بدوره لم يجد سبباً مقنعاً في مجادلة كتاب قادم من الباب العالي لأعلى سلطة في الجامعة علمياً وإداريا وأخلاقياً، فبارك الكتاب الجامعي وبعثه إلى رئيس قسم الإدارة مشفوعاً بوشم متعارف عليه، “للاطّلاع واتخاذ ما يلزم رجاءً”. لم يكن رئيس القسم شخصاً نمطياً في التعامل، لذا طلب من السكرتيرة المتفانية في عملها “هاسميك” التوقف عن قطف الثمار من بُستان المستنصر بالله والحاكم بأمره، إلا انه كان يتملك شجاعة متميزة، ولم يتخذ إجراءاً إدارياً بحقها، مناقضاً بذلك لتوصية فُرمان حُكام الزمان بـ “أتخاذ ما يلزم”. بعد ذلك تغير اسم الآنسة واصبح الكل يناديها بـ “قاطعة الزهور” بدلاً من هاسميك، وتعرض كتاب رئاسة الجامعة الى السخرية والأمتعاض في آن واحد.
محمد حسين النجفي
18 تشرين الثاني 2021
www.afkarhurah.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* لاحقاً زوجتي وشريكة حياتي. هاسميك اسم أرمني لوردة الـ “ياسمين”.
** طبعاً لم يحصل ذلك.
#الجامعة_المستنصرية #محمد_حسين_النجفي #موقع_أفكار_حرة #afkarhurah.com
الله ينطيها الصحة والعافية والسلامة والسعادة الدائمة ونراها دائمًا تستمر في قص الزهور والورود لان عند قطفها ووضعها في الكوؤس او مزهرية تكون رائحتها أجمل ووضعها أفضل
تحياتنا لام عامر ولك أبا عامر
ذكريات حلوة وسرد جميل
** لكنّك، أبا عامر الجميل، فزت بقاطعة الزهور، والتي هي أغلى وأثمن وأعظم من عشرات شهادات الدكتوراه، لقد فزت بالحبيبة والصديقة والأم والرفيقة، ومالكة عرش قلبك وضوء روحك، لقد فزت ببساتين الزهور التي تزداد نضارة بتقادم الزمن، تمنح حياتك بهجة وسروراً، وظلّ، في الآن ذاته، حرّاس العدالة الزائفة يشيّدون الخراب والدمار داخل الجامعة وخارجها، لأنهم لم يدركوا جمال الزهور وأهمية نقلها من مكان إلى آخر لتتزيّن بها الفضاءات وتتعطّر بها نسائم الحياة.
سردية جميلة ومتقنة ومتماسكة خطّتها أناملٌ مدرّبةٌ على صناعة الجمال.
أحييك بمحبّة عالية صديقي الأثير الكاتب الحر الأستاذ محمد حسين النجفي!
شهادة أعتز بها كثيراً من مرجعيتي الأدبية الدكتور محمد عبد الرضا شياع، ويشرفني انكم تمرون على كتاباتنا المتواضعة، وتجدون فيها ما يستحق الثناء عليه. نعم تعلمت قطف الزهور بأناقة والعناية بها، من حبيبة القلب التي مازال عشقها للورود لم ينضب. ولكني قررت أن اسرق شتلة الورد بأكملها، لتكون السندانة الأبدية في حديقة حياتي. تحياتي الخالصة أبا إيناس
زهور كلها كتاباتك، ارجو ان لا تعتبرني مثل ذلك الحارس لاني ايضا ارجوا ان لا تقطع. و الحمد لله انتهت القصة و لم تقطع تلك السكرتيرة المثابرة و منعت من اضافة زهورٍ الى مكتبها بجعل الزهور جزاءً منها و هو اسمها.
عزيزي أبو كرار
المشكلة هي ان ذلك تمّ في زمن كان فيه قطع الرؤوس يتم بلا حساب او كتاب. وكانت موارد الدولة تهدر في حروب لا نهاية لها. نعم هاسميك تعني ياسمين، وهي زهرة العطور.
تحية ومحبة لأبي كرار
دمت موضع فخر وأنت تستحضر الذكريات.
أنت قاص، ومبدع أخي أبا عامر، وهذا ما لاحظته في نصوصك التي أعتقد أنها ستكون رواية تحمل بصمات تجربتك السبعينية.
مبارك لك هذا الإبداع أخي الكاتب، والباحث، والنبع المتدفق في ابداعه الجميل…محبتي على الدوام
عقيل
عزيزي أستاذ عقيل
شهادتكم نعتز بها ونفتخر بقيمتها لأنها صادرة من مثقف وأديب ملتزم بقيم الحياة الصادقة.
دمتم لنا سنداً أبا أوس
أحسنتم النشر استاذنا العزيز.
You are hereby granted an honorary doctorate by your friends.