أفكار حُـرّة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي
صوت معتدل للدفاع عن حقوق الأنسان والعدالة الأجتماعية مع اهتمام خاص بشؤون العراق
قبل ايام تظاهر عمال وموظفي معمل سمنت كركوك احتجاجاً على الخطط الرامية لتحويل المعمل من مؤسسة قطاع عام الى مؤسسة استثمارية او بعبارة اوضح خصخصتها. ولربما يتبادر الى الأذهان ان المصنع الذي يضم 1200 عامل وموظف عراقي في حالة من التردي الفني والأقتصادي ولابد للتخلص منه. المشكلة ان هذا المعمل من اكثر معامل الأسمنت العراقية تقدماً من الناحية الفنية وانه حاز على العديد من الشهادات المحلية والدولية التي تشهد له بذلك ومنها شهادة علامة الجودةمن الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية العراقية وشهادة الجودة العالمية (الأيزو) من هيئة الأعتماد البريطانية. السؤآل هو كيف يجرؤ الفاسدون للتخطيط للأستيلاء على ثروة العراق والعراق يعيش في ازمة امنية واقتصادية وسياسية كبرى وخاصة كركوك؟
من الذي انتخب براق حسين أوباما مرتين الى البيت الأبيض؟ يعتقد البعض ان السود هم من اوصلوا أوباما الى البيت الأبيض. كلا فإن السود لايمثلون سوى عشرة في المئة في احسن الأحوال. إن من انتخب أوباما هو من استمع اليه وآمن في برنامجه الأجتماعي والأقتصادي والسياسي. وطبيعي فإن ذلك يمثل منتهى الرقي الأنساني الذي اذهل بعض الأمريكيين المتعصبين وغير المتعصبين. ومن الذي انتخب صادق خان ليكون عمدة اكبر واعظم مدينة ليس في انكلترا فقط وانما اعظم مدينة في العالم؟ ومن هو صادق خان غير محامي من اب باكستاني هاجر الى انكلترا وعمل سائق باص وربى ثمانية ابناء وكان صادق احدهم. فمن الذي انتخبه؟ كلا ليس المسلمين. فعلى افتراض ان كل المسلمين منحوه صوتهم وعلى فرض انهم جميعاً شاركوا في الأنتخابات. مع ذلك انهم لايمثلون سوى 12% من سكان لندن. ان الذي انتخبه هو اللندنون الذين آمنوا بشخصته وسيرته وبرنامجه الاجتماعي والأقتصادي والأصلاحي لمدينة لندن الكبرى. وانا متأكد من ان هناك العديد من المسلمين لم ينتخبوه لأنهم محافظين اولأنهم من طائفة اسلامية غير طائفته.
الكل يعلم ان الحصاد يبدأ بالزراعة. وان الزراعة تبدأ بتهية الأرض. وان تهيأة الأرض تعني حرثها وقلبها وتهويتها بالأوكسجين وتدفئتها بنور الشمس. ولابد من منح الأرض البروتين والطاقة والسيولة وهي السماد والماء كي تستطيع ان تُرضع البذور والشتلات المغروسة في رحمها. والكل يعلم ان ارضاً خصبة كهذه، وهي ارض العراق الطيبة ستكون صالحة ايضاً للأدغال والأحراش والنباتات الوحشية التي لا ثمر لها. وهذه الأدغال ستتغذى على المياه العذبة والسماد الدسم والشمس الدافئة. فكان لابد من مراقبتها ونبشها من الجذور يومياً كي لا تتكاثر وتستفحل وتطغى على الأرض ولا تترك مجالاً للنباتات المثمرة كي تنمو وتزدهر وتثمر.
كلنا يعلم أن الأمم لا تنهض إلا بنتاج علمائها ومثقفيها ومصلحيها . وفى ذلك لم تختلف نهضة الشرق عن الغرب. فلم تنهض الحضارة الاغريقية إلا بفلاسفتها كسقراط وأفلاطون. ولم يبقى من الأمبراطورية الرومانية بعد إنحسارها سوى نتاج معماريها ورساميها ونحاتيها. وماذا بقى من الحضارة البابلية غير بقايا جنائن بابل المعلقة ومسلة حمورابي وقوانينها واحكامها ؟
فاجئ بوتن العالم بأسره في منتصف هذا الشهر من ان قواته قد حققت اهدافها في سوريا وانه امر قواته او جزءاً منها بالرجوع الى روسيا. كان هذا قراراً مفاجئً بأمتياز لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وبشار الأسد وايران واسرائيل وتركيا والعالم بأسره. ودعك من الأقوال من ان سوريا كان لديها علم بذلك، وان الخارجية الأمريكية تعلم وترغب بهذه الخطوة، وان السعودية تعتقد ان ذلك سوف يساعد على حل القضية السورية سلمياً. فحقيقة الأمر انه فاجئ حتى القيادات العسكرية الروسية. فما الذي يريد ان يقوله بوتن للعالم؟ وما هي الاهداف الحقيقية وراء هذه الخطوة؟ في اعتقادي ان بوتن قد رمى عشرون طيراً بحجر واحد، واثبت للعالم من جديد انه قائد متميز يجب ان يحسب له الف حساب. وهذا بعض ما نراه من هذه الأهداف:
لاشك فيه ان السيد مقتدى الصدر يتميز عن حلفائه في التيار الأسلامي الشيعي من انه قادر على تحريك الموالين له وقادر على اثارة الشارع الشيعي في الأحياء والمدن الفقيرة ومنها مدن مثل مدينة الثورة (الصدر) ومدينة الكوفة على سبيل المثال لا الحصر. كذلك فإنه يختلف في طريقة تعامله في الساحة السياسية، حيث انه كثيراً ما يخاطب الجماهير والشارع والشعب العراقي بعيداً عن الدهاليز السياسية المظلمة وموائد المجاملات الدسمة وبريق الأضواء الساطعة. كذلك فانه يختلف عن الآخرين برؤيته الخاصة وعناده في ثوابته السياسية وخاصة محاربته لأي وجود او نفوذ اجنبي في العراق ومنذ اليوم الأول لسقوط الصنم ولحين الوقت الحاضر. ولكن هل يؤهله هذا للقدوم بعد سبعة اشهر من نضال اليساريين والعلمانيين والمدنيين الذين انبح صوتهم جمعة بعد جمعة، ويعتلي منصة التظاهرات وكأن تاريخ الأحتجاج بدأ بتلك اللحظة؟ هل يحق له ان يعزل نفسه ولا يحملها اية مسوؤلية وهو الذي كان ولا يزال بأمكانه ان يسحب البساط من تحت اي رئيس وزراء او اي متنفذ آخر؟ ان السيد لم يحدثنا كيف سيتعامل مع الفاسدين من الصدريين والمواليين والوزراء والوكلاء والمدراء والسفراء من اتباعه وهم كثروا؟ نعم اعلن عن تبرئه منهم، ولكن من هم؟
يبدوا ان الحراك الشعبي يعتبر ان الفساد السياسي والأداري هو اساس المشاكل والتخلف التي يعاني منها العراق والعراقيون. وقد يكون لذلك بعض الأساس من الصحة. حتى ان السيد مقتدى الصدر في كلمته في ساحة التحرير اكد من انه ” كلا للفساد وكلا للفاسدين. حقيقة الأمر ان المشكلة في العراق حالياً هي طبيعة نظام الحكم المؤدية الى انعدام الأمن والأمان، وما الفساد إلا ظاهرة سهلة النمو في مجتمع يعاني من انفلات قانوني وامني
ان من اخطر جرائم الأحتلال الأمريكي بعد عام 2003 هو حله للجيش العراقي برمته. ولا ندري ما هي الأسباب الحقيقية التي ادت الى ذلك؟ حيث ان الدول المحتلة تخضع جميع مؤسسات الدولة تحت الأحتلال المدنية منها والعسكرية تحت امرتها ووصايتها. واذا ما اريد ازاحة نفوذ صدام وعائلته وحزب البعث واعضائه فما كان عليهم سوى ان يحيلوا على التقاعد من قاوم الأحتلال ومجموعة من القادة الذين يمثلون السلطة السياسية سواء في المؤسسات المدنية او في الجيش والشرطة. وفي جميع الحالات فإن ذلك لا يتعدى ان يكون مئتي او ثلثمائة شخص. ولكن بريمر بأعتباره الحاكم العام في العراق وبتفويض من مجلس الامن قرر حل الجيش العراقي بجرة قلم. وبذلك هجر العسكريون كافة المواقع والثكنات ومخازن الذخيرة والمطارات والقواعد العسكرية لتكون مالاً سائباً بيد من يريد. وفعلاً تم نهب وسلب السلاح والعتاد والمعدات الخفيفة والثقيلة لتكون بيد مناوئي العهد الجديد. وقد ساعد ذلك على تسليح ميليشيات سنية وشيعية قاومت العهد الجديد بحجة مقاومة المحتل الأمريكي.
إن الشعب العراقي يتكون من مجموعة واسعة من التركيبات القومية والدينية والطائفية والعرقية. فهناك العرب والاكراد والتركمان والأشوريون والكلدان والأرمن والفرس. وهناك المسلمون والمسيحيون واليهود والأزديون والمندائيون. وهناك الشيعة والسنة والأرثودكس والكاثوليك وما الى ذلك من تفاصيل فرعية في كل مكون. إن الاعتراف بوجود المميزات الخاصة لكل شريحة لا يؤدي كما يعتقد البعض الى التمزق والتحلل والانفصال والضعف. لا بل على العكس فإن الاعتراف بذلك يؤدي الى التفاهم والتعايش السلمي وعدم تدخل طائفة في شوؤن طائفة اخرى. إن التوحيد المبني على رغبة الحاكم في ارغام هذه الطوائف بالتنازل عن مميزات تراثها وعاداتها وتقاليدها الموروثة كي تنصهر في بودقة الأتجاه العام ً السائد ً والمُقنن بقوانين وتشريعات حكومية، لا يخدم في اهدافه إلا صانعيه. أما التوحيد المبني على الاحترام العقلاني للاختلافات في العقائد والتقاليد، فإنه ينبع من الاحترام المتبادل لهذه المجموعات المتميزة ولصيانة تراث وحقوق كل منها للآخر.