أفكار حُـرّة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي
صوت معتدل للدفاع عن حقوق الأنسان والعدالة الأجتماعية مع اهتمام خاص بشؤون العراق
تراكمت مجموعة عوامل معقدة، اضطرتني لاتخاذ قرار مصيري، وهو السفر من وطني العراق بنية اللا عودة، مالم تتغير تلك الظروف بشكل جذري، والتي كنت اعلم انها من سابع المستحيلات. وعليه قررتُ السفر الى لندن، حيث يقيم خالي وصديقي الحاج كريم رحمه الله، وأخي سعد الذي كان يدرس في احدى الكليات، لعدم حصوله على قبول في الجامعات العراقية.
أصبح هذا القرار مُستعجلاً ومُلحاً، بعد ان قام صدام حسين بإحكام قبضته على السلطة أثناء فترة نيابته للرئيس أحمد حسن البكر، واستولى على الحُكم بشكل نهائي في 16 تموز 1979، حيث أرغَم البكر على الاستقالة، ليصبح رئيساً للجمهورية العراقية وقائداً لمجلس قيادة الثورة والقائد العام للقوات المسلحة. وأصبح قرار السفر أكثر الحاحاً بعد ما سُميّ بمجزرة الرفاق في قاعة الخلد يوم 22 تموز 1979، بعد ستة أيام فقط على استيلاء صدام على السلطة. حصلت على اذن السفر من الجامعة المستنصرية باعتبارنا في العطلة الصيفية، وذهبت الى دائرة السفر، والسفارة البريطانية لتأشيرة الفيزا، وحجزت في اول رحلة الى لندن، صباح يوم الثلاثاء المصادف 31 تموز 1979 على الخطوط الجوية العراقية ومعي اختي عالية.
لم يكن في المطار سوى طائرتنا المغادرة الى لندن في ذلك الصباح. تقدمت اختي واعطت جوازها الى مفوض السفر الذي منحها سمة الخروج بسهولة. اعطيته جوازي وكتاب الجامعة المستنصرية بالموافقة على إجازة سفر خارج العراق. دقق مفوض السفر كثيراً في جوازي وفي سجل الأسماء الممنوعة، واخيراً وجد ضالته. لم يكن جوازي موقعاً من قبل ضابط السفر في مديرية السفر والجنسية.
رمى المفوض الجواز باتجاهي، وهو نافشٌ ريشه بتحقيق انتصار عظيم، وقال لا تستطيع السفر. سألته عن السبب، أخبرني بأن جوازي غير مكتمل لخلوه من توقيع ضابط السفر. اجبته بأن هذا ليس خطئً مني، وارجو من أحد الضباط هنا ان يوقعه، لأني يجب ان اسافر. رفع المفوض نبرة صوته عليّ، مما اضطرني ان أعلي صوتي، وحدثت مشاجرة جاء على أثرها ضابط سفر برتبة ثلاثة نجوم على ما أتذكر. صاح ما هذه الضوضاء! واتجه نحوي وسألني ما المشكلة؟ اجبته، وقلت له ان اختي لا يمكن ان تسافر بمفردها، وانا مدرس جامعي في عطلة صيفية، إذا لم ارحل اليوم فسوف لن أستطيع بعد ذلك، لأن من الصعب الحصول على تذاكر الى لندن بهذه السهولة. وطلبت منه ان يوقع جوازي باعتباره ضابط سفر.
طلب مني مرارا وتكرارا ان اخفض صوتي، وان اركن الى الهدوء. رغم تشنج اعصابي، ميزتُ ان هذا الضابط ليس كغيره. انه يتعامل معي بكل احترام وإنسانية، ويخاطبني بكلمة “أستاذ”. سألته إذا كان بإمكانه ان يوقع جوازي باعتباره ضابط جوازات، اجابني بالنفي، إلا انه قال لي اطمئن، سوف نجد لك حلاً. نادى لأحد افراد الشرطة، واعطاه جوازي، وطلب منه ان يقف بباب المدير العام لجوازات المطار، والدخول عليه حال وصوله، وطلب توقيع الجواز من قبله. ذهب الشرطي وطلب الضابط الشهم من اختي ان تكف عن البكاء وان كل شيء سيكون على ما يرام.
جلستُ منتظراً ولست مطمئنا من نتيجة الأمر رغم ان الضابط كان يتكلم بمنتهى الثقة والدراية. جاء نداء الخطوط الجوية يطلب من المسافرين الى لندن ان يتفضلوا بالصعود الى الطائرة. فرغت قاعة الترانزيت ولم يبقى فيها سوى اختي، وانا على الجانب الآخر بانتظار الفرج. أصبحت القاعتين موحشتين، وترك مفوضي الجوازات مقاعدهم خلف العوازل الزجاجية. أعطت الخطوط الجوية إنذاراً للمسافرين للالتحاق فوراً. أعقب ذلك ان أعطت المضيفة “النداء الأخير”ً.
لم أستطع ان احافظ على هدوئي. وقفت وذهبت الى الضابط، وقلت له ان الطائرة ستقلع، وانا واختي مازلنا هنا. نظر اليّ نظرة مليئة بعمق لم افهمه في حينه، وقال لي: أستاذ محمد هذه الطائرة سوف لن تطير إلا وانتَ واختكَ فيها. أذهلني جوابه، لم افهمه، ربما لا زلت لهذا اليوم لا افهمه. وطلب مني بكل احترام، ان اجلس وارتاح. صدق قوله، لم تمضي سوى دقائق بعد ذلك حتى عاد الشرطي المُرسل ومعه جوازي مُوقع من قبل المدير العام لجوازات مطار بغداد الدولي (كان مازال مطار بغداد قبل ان يرثه صدام ويطلق عليه اسمه).
أخذ الضابط الجواز بيديه وفحصه كلياً، وإعطاه للمفوض بنفسه، وقال له بطريقة جدية: دقق ما شئت واختم جواز الأستاذ. وفعلاً دقق المفوض في الجواز كثيراً وهو يمسح شاربيه ذات الدلالات، وكأنه يذكرنا بأنه من الزلم أهل الشوارب وليس مفوضاً عادياً. لم يجد بُداً إلا ان يختمه ويعطيني الجواز. ذهبت الى الضابط الشهم الذي أدى أكثر من واجبه في تسهيل مهمة سفري، وقلت له والله ما اعرف كيف اشكرك. نظر اليّ تلك النظرة الثاقبة مرة أخرى، وقال لي ما لم انساه بالحرف الواحد:
“لا اخي، اشكرْ الله. الله يريدك أن تسافر”
20 شباط 2023
#محمد_حسين_النجفي #أفكار_حرة #العراق #www.afkarhurah.com
الارض لا تخلو من اولاد الحلال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي الكريم حدث ذات يوم بأن جئت الى البيت وبصحبتك الدكتور “فلان” وطلب منك إن تسجل بعثي وأنه غير قادر على حمايتك وبذالك سيعلو شأنك ويمنحك امكانية السفر لكي تكمل شهادة الدكتوراه ولكنك رفضت وقلت له هل تريدني ان أصبح شرطي اخر عمري وأكتب التقارير فقال لك اذاً سافر خارج العراق لإنه لا يمكن حمايتك كصديق وفي هذا الوقت كنت أحاول أن أفتح الباب وأدخل صينيت الغداء وحينما سمعت ذالك اصابتني الرهبة والافتخار والتقدير لأخي الكبير صاحب المبادئ الانسانية والاجتماعية وفعلًا أخذت الموقف السليم الذي كإن يراودك منذ منتصف السبعينيات بأن الوضع سيتأزم لان صدام بدء يسيطر على كل المؤسسات الحكومية وان البكر أصبح صورة فقط