أفكار حُـرّة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي
صوت معتدل للدفاع عن حقوق الأنسان والعدالة الأجتماعية مع اهتمام خاص بشؤون العراق
سؤال بسيط ربما لا يحتاج الى تفكير طويل: من كان يعتني بحديقة بيتنا؟ هل كان لدينا فلاح (جَنيني) يعتني بحديقتنا ام لا؟ الجواب نعم كان لدينا واسمه رضا. كان رضا شاب في عمر العشرين عاماً، حينما اتفقنا معه عام 1969، كي يعتني بحديقتنا التي مساحتها بحدود الخمسمائة متر مربع. حديقة جميلة يتوسطها ثيل (عُشب) اخضر، محاطة بورود متنوعة وزاهية من كل الجوانب، وحوالي عشرين شجرة حمضيات من النارنج والبرتقال والليمون.
يسكن رضا مدينة الكاظمية وبيتنا في الكرادة الشرقية، حيث كنا على طرفي نقيض من مدينة بغداد، هو في اقصى شمالها ونحن في أدنى جنوبها. يضع عدته وادواته على دراجته الهوائية يدور بها البيوت من بيت لآخر، رغم شدة البرودة في الشتاء وحرارة الصيف التي لا تُحتمل. كان رضا يتصبب عرقاً وهو يعمل في حديقتنا في عز ظهيرة أيام الصيف، خاصة حينما يقص العشب بماكينته اليدوية.
لم يفُت ذلك على والدتي رحمة الله عليها. كانت تجهز له صينية غذاء كاملة، تمن (رز) ومرق ولبن ورقي (بطيخ) وجاي وماء مثلج وكلشي وكلاشي. بالنسبة لامي المسألة لم تكن مزاجية يوم عزيمة ويوم لا. كلا كانت مسألة مواظبة وكأنها مُلتزمة بعقد معه. ان ما كان يُقدم لرضا ليس من بقايا طعام اليوم السابق، او مجرد خبز وقليل من الأكل. كلا كان يعامل كضيف، لا بل ربما ضيف شرف.
ومرت الأيام وتوفيت والدتي شتاء عام 1973، وهي في مقتبل عمرها حيث انها لم تتجاوز الأربعين عاماً. لم نستوعب وفاة والدتي، والحياة يجب ان تستمر، ونحن لم نتوقف، واستمرينا بالحياة بكل طاقتنا، ساعدنا بذلك انتقال جدتي ام والدتي للسكن معنا. الله كم كان ذلك عوناً لنا. كنا نتحدث عن كل شيء، ما عدا الحديث عن امي. حتى انا لم أستطع الحديث عنها رغم انها معي وصورتها امامي مع كل نبض في عروقي، وربما هذه هي المرة الأولى التي اتحدث عنها بعد رحيلها بخمسين عاماً.
عام 1973 عام مليء بالأحداث، حيث قام الجيش المصري بعبور قناة السويس وتحريرها من القوات الإسرائيلية وسميت الحرب بحرب اكتوبر، كذلك استكمل العراق تأميم كل شركات النفط الأجنبية في نفس العام، تبع ذلك زيادة هائلة في واردات العراق النفطية، التي استُثمر قسم منها في مشاريع تنموية سُميت في حينها بالخطة الانفجارية، التي أدت الى استقدام العديد من الشركات الأجنبية للعمل في العراق، مما أدى الى نقص في العمالة وارتفاع مضطرد في الأسعار، رغم استقبال الملايين من العمالة الأجنبية وخاصة اخوتنا المصريين.
في هذه الأثناء لاحظتُ ان رضا قد اشترى دراجة نارية بدل الدراجة الهوائية، ثم أبدل ماكينة قص العشب اليدوية بماكينة تعمل على البنزين. وبدلاً من ان يزورنا ثلاث مرات في الأسبوع أصبحت مرتين، تناقصت بعد ذلك لتكون مرة واحدة اسبوعياً. أثار ذلك قلقي وخوفي من ان فتنة حديقتنا وزهوها والتي كانت ايقونة والدتي، قد يضمحل بمرور الزمن. لذا تحدثتُ مع رضا في أحد الأيام صراحة، واعترضت على تقليل زياراته لنا، وعرضتُ عليه زيادة الأجور الى خمسة دنانير بدل من ثلاث دنانير شهرياً. كانت اجابته وبريق الدموع في عينيه: عمّي على الحديقة لا تخاف. حالياً مثل هذه الحديقة اجورها الشهرية ليس أقل من خمسة عشر ديناراً في الشهر، “لكني لا اريد أي زيادة لأن هذه الحديقة امانة عندي من المرحومة، وسوف اداريها بعيوني ولن أقصر في رعايتها ابدا”.
“شكراً لك يا رضا الشاب الكادح النجيب الذي غزّر فيه العيش والملح والمعاملة الطيبة،
وشكراً لكِ يا أمي لعنايتكِ بحديقتنا حتى بعد رحيلكِ بسنين.”
نعم هكذا هي امنا رحمها الله واسكنها فسيح جناته اعمالها كثيره ولم اسمع يوما تقول عملت هذا وقمت بذاك انه ارث امي العمل الحسن والصدق في التعامل ويجازي فلاحنا رضا كل خير وموفقيه وفعلا اخي ابو عامر قصه
تستحق الذكر
حيث رجعت بنا الى ذالك الزمن الطيب كطيبه قلوبهم ياريت لو عندك قصص اكثر عن امنا وابينا رحمهم الله برحمته الواسعه رحلوا عنا ولكن في قلوبنا مهما طال الزمن بنا احسنت
الله يرحم عمتي العزيزة ام محمد حسين وحشرها الله مع الرسول وال بيته الاطهار. كم اتمنى لو كنت رايتها ولو مرة واحدة.
الله يرحم الوالدة العزيزة ان شاء الله تعود ايام الطيبين مقالة جميلة ومريحة للنفوس في هذا الزمن الغريب
الله يرحم الوالدة ويسكنها فسيح جناته
Wonderful
استأذنا العزيز دائما وأبدأ أنت المتألق رحم الله الوالدة واسكنها فسيح جناته رائع أنت ابا عامر.
نفحة من رذاذ زمن الطيبين.. رحم الله السيدة الوالدة التي زرعت طيبها وكرمها وسقيا لايامنا ما كان اطيبها وأطيب أهلها وخيرها الذي زال بزوالهم.
عاشت الايادي اخي العزيز استاذ محمد.