قراءة في كتاب شموع لا تُطفئها الرياح بقلم الدكتور سمير جونه

من سلسلة آخر ما قرأت بقلم الدكتور سمير جونه

كتاب: شموع لا تُطفئها الرياح : قصص قصيرة من تلك الأيام.

تأليف: محمد حسين النجفي، دار أهوار للنشر والتوزيع، شارع المتنبي / بغداد، العراق، 178 صفحة، سنة 2023.

وصلني هذا الكتاب كهدية من المؤلف الذي تناول فيه قصص قصيرة، وهي عبارة عن مقتطفات من الاحداث اليومية التي عاشها في العراق، وهي لا تختلف عن ما مرّ به الكثير من ابناء العراق المبتلي بعصابات الحكم ان صح التعبير. هذه القصص هي نماذج او عيّنات لم تبدوا غريبة لي اذ ان الكثير منها تعرّضتُ أنا لها شخصيا في الاربع والثلاثين عاماً من عمري الذي قضيته في العراق. في الحقيقة، وانا اقرأ القصص القصيرة، تخيّلت أني احضر فلم وثائقي عن الحياة اليومية في العراق في تلك الحقبة التي خصّها المؤلف. ابتدأت بقراءة القصص ولم اترك الكتاب إلى حين انهيتُ قراءته عند الساعة الواحدة والربع فجراً.

من الصعب جداً ان يترك قارىء ذو شغف كبير وولع للقراءة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بأحداث الحياة اليومية التي دوّنت دون تزويق او مزايدة، وبإسلوب سردي من السهل الممتع، وانما دوّنت بموضوعية، وبهدف توثيق احداث الأمس التي اصبحت اليوم في طيّات النسيان. فالعودة إلى الوراء وسيلة مهمة لفرز سرد الاحداث والتخلص من الشوائب.

ابتدأت الحكاية من ايام الطفولة ثم المراهقة والشباب، ومراحل الدراسة، واخيراً كاستاذ في الجامعة المستنصرية بتفاصيل تُحاكي واقع الحال في حينها. البداية كانت عندما انتقلت عائلته من النجف الأشرف إلى الكرادة الشرقية في بغداد، حكايا الانتقال من دار إلى دار، المشاغبات في المدرسة والشارع، تبادل النظرات والإعجاب مع الجنس الاخر في زمن ساد فيه الحياء، حكايا الايمان بمبادىء سياسية معينة أدت الى الاستقطاب، والنزاعات الكلامية والجسدية.

كان المؤلف وربما لا يزال يساريُ النزعة والتي وضعته في موقف حرج مع القوميين ولا سيما البعثيين، وكان ايمانه كبير إلى درجة انه رفض الانخراط في كلية بغداد وآثر ان يبقى في الثانوية الشرقية رغم يُسر الحال، بسبب ايمانه بان كلية بغداد يديرها الآباء الامريكان وهم بذلك ضمن مخيم المستعمر !! بل تعدى الأمر إلى رفضه الدخول إلى مستشفى اهلي لغرض اجراء عملية رفع الزائدة الدودية، وآثر ان تجرى في مستشفى حكومي ليشعر بانه لا يختلف عن عامة ابناء جلدته !! “الله يساعد اهله عليه… شلع گلبهم”.

كان للعائلة محلات تجارية في سوق الشورجة حيث كان وإخوته يُعينون الوالد الذي امتهن التجارة في عمر مبكر. وهناك تعلم المؤلف  “حكمة الشارع” والخبرة الكبيرة بامور الحياة الدقيقة، ساعدته فيما بعد على التعامل السوي مع الآخرين وتطوير علاقات استطاع الاستفادة منها عندما تعرض إلى تهديد او ابتزاز، وما إلى ذلك، فشبح الانتماء اليساري لاحقه حتى في دهاليز الجامعة وحرمتها.

ذكر المؤلف عدة قصص عن طلابه  الذين هددوه لانه أعطاهم صفرا او طردهم بسبب الغش في الامتحانات، وحتى من زملائه التدريسيين الذين أرادوا التطفل على إنتاجه الفكري، معتمدين في تهديدهم على انتمائهم الحزبي. والنجفي يذكر كلمة حق، حيث ان المسؤولون في المواقع الإدارية تصرّفوا بكل مهنية ولم يتركوا طريقا مفتوحاً لمن يستغل موقعه للوصول الى مآرب غير عادلة.

لا اريد ان افسد نكهة قراءة الكتاب بتفاصيله ويكفي ما ذكرت عنه، ولكني احب ان أبين شيء واضح للعيان في هذا الكتاب، وهو جدلية “أيام الزمن الجميل” “وأيام الزمن القبيح”. فمن يقرأ هذا الكتاب وما يحتوية لا أظن بأنه سيستمر في وصف تلك الفترة التي طالها الكتاب  “بالزمن الجميل” رغم اوضاعنا الفوضوية اليوم. فكل إنسان يواجه العالم من منظوره الخاص الذي قد يختلف عن منظور غيره. وأعتقد ان الكثير لا يدركون، وهذا ما أشار اليه المؤلف، ان الماضي ليس اجمل من اليوم بل ان اليوم هو الأتعس من الأمس.

نتمنى للمؤلف الموفقية في كل أعماله.
د. سمير جونه
2 تشرين الاول 2024

لقراءة الكتاب اضغط على الرابط ادناه:

https://mhalnajafi.org/wp-content/uploads/شموع-لا-تُطفئها-الرياح.pdf

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You have successfully subscribed to the newsletter

There was an error while trying to send your request. Please try again.

أفكار حُـرة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي will use the information you provide on this form to be in touch with you and to provide updates and marketing.