أفكار حُـرّة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي
صوت معتدل للدفاع عن حقوق الأنسان والعدالة الأجتماعية مع اهتمام خاص بشؤون العراق
في صباح يوم الأثنين المصادف الرابع عشر من تموزعام 1958، فتحنا الراديو واذا به يعزف المارشات العسكرية. وكان المذيع الذي عرفنا بعد ذلك انه العقيد عبد السلام عارف، يقرأ بيان رقم (1) متحدثا عن ان القوات المسلحة الوطنية قد اطاحت بالحكم الملكي وانه تمّ اعلان تأسيس الجمهورية العراقية. وكانت البيانات تقرأ من قبل عبد السلام عارف إلا انها صادرة وموقعة من قبل الزعيم الركن عبد الكريم قاسم بأعتباره القائد العام للقوات المسلحة الوطنية. وعند سماع ذلك قال أبي انها اذاعة سرية للمعارضة وسرعان ما ستتوقف عن البث.
وكالعادة بدأنا ابي وانا نتهيأ للذهاب الى سوق الشورجة للعمل وكأنه يوم عادي جداً. وركبنا تكسي النفرات والناس تتحدث عن قيام ثورة عسكرية. والأذاعة مازالت تنشد الموسيقى العسكرية والأناشيد الوطنية الحماسية. وصلنا لساحة الوثبة واذا بالمظاهرات المؤيدة للثورة في وسط الشارع يهتفون بسقوط العائلة الهاشمية ويهتفون بحياة الجمهورية. وجاءت مظاهرة لطلاب المدرسة الجعفرية والتي كانت من انشط المدارس في الممارسات السياسية في بغداد، حاملة سجادة صغيرة بحجم سجادة الصلاة وعليها صورة الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان يعتبر رمزاً قومياً، وكان المرحوم خالي محسن وسطهم. فطلبت إذناً من ابي بالمشاركة وكان عمري حينها لا يتجاوز الأحد عشر عاماً في العطلة الصيفية بين الخامس والسادس الأبتدائي. وافق ابي على مشاركتي واستمرينا الى الباب الشرقي وبدأت الطائرات العسكرية تحلق في الجو والراديو يعلن منع التجول. وكان ان رأيت واجهة ستوديو ارشاك الزجاجية مكسورة، وذلك لوجود صور للملك وبعض شخصيات العهد الملكي فيها. واتذكر من بين الصور كانت صورة لأبن وبنت سلطان امين كرماشة مدير شرطة بغداد ونسيب بهجت العطية مدير الأمن العام.
اضغط على الرابط ادناه كي تشاهد
لقطة نادرة للملك فيصل الثاني ونوري السعيد مع الزعيم عبد الكريم قاسم
لقد كان لهذا اليوم اثر عميق في نفسي ربطني مع الثورة والزعيم وما تمثله من قيم في الوطنية والمساوات والعدالة الأجتماعية. دخل العراق بعدها في ايام واسابيع من الفرحة الدائمة. ولكن تخلل ذلك ما سمعنا به لاحقاً بأن العائلة المالكة قد ابيدت جميعها وان الوصي عبد الأله ونوري السعيد قد جرى سحلهما في الشوارع من قبل غوغاء الأحداث الذين يفسدون الأفراح دائما.
اصبح الجيش العراق محبوباً جداً من قبل الجماهير لأنه اعتبر المنقذ من الأستعمار. وكانت قطعات من الجيش منتشرة في المناطق الحساسة في بغداد قرب الجسور والساحات والمصارف والدوائر الحكومية. وكان الناس يبادرون لتحية الجنود والضباط ويصافحونهم وحتى النساء وخاصة الكبيرات في السن كن يحيونهم بحرارة نادرة.
وكان معظم الناس ومنهم ابي يحبون الملك الشاب فيصل الثاني كثيراً، ولكنهم لا يحبون نوري السعيد وعبد الأله. وذلك لأعتقادهم ان ولائهم كان للأنكليز اكثر من ولائهم للعراق. مع ذلك احب معظم الناس ومنهم ابي الزعيم عبد الكريم قاسم بشكل غير معقول، واصبح الكل يعلق صور الزعيم ويهتف بحياته دون ضغط او اكراه من احد.
توالت الأحداث وبدأت الثورة تغير من الحالة الأقتصادية والأجتماعية لعموم العراقيين. وكان كل بيان يصدر من الزعيم يعتبر مكسباً للشعب. حيث اطلق سراح السجناء ليس السياسين فقط وانما السجناء العاديين ايضاُ، وصدر قانون الأحوال الشخصية الذي رفع من مكانة المرأة في المجتمع ومنحها الحق في قرارات الزواج والطلاق والأرث، وصدر قانون الأصلاح الزراعي الذي اعاد توزيع الأراضي لمن يزرعها وعقدت الأتفاقية الأقتصادية والفنية مع الأتحاد السوفيتي لأقامة العديد من المصانع الاستراتيجة الموزعة على عموم مدن العراق، وغير ذلك الكثير.
مشاريع الثورة الفتية والمكتسبات الجماهرية لم ترق لطبقة النخبة وملاك الأراضي الزراعية ولا الى رجال الدين وشاركهم في ذلك البعثيين والقوميين وتآمروا مرات ومرات الى ان نجحوا في الأجهاض على ثورة تموز ومكاسبها في يوم 8 شباط 1963 حيث تم اعدام الزعيم ورفاقه وقتل المئات من الوطنيين والمثقفين وسُجن وعُذب الآلاف منهم في مقرات الحرس اللاقومي ومديريات الأمن. وبذلك دخل العراق في حمامات الدماء التي اخذت تسيل دون حساب او كتاب الى يومنا هذا.
محمد حسين النجفي
14 تموز 2016
محمد_حسين النجفي # #عبد_الكريم_قاسم# #ثور14 تموز_1958