أفكار حُـرّة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي
صوت معتدل للدفاع عن حقوق الأنسان والعدالة الأجتماعية مع اهتمام خاص بشؤون العراق
“واخيراً رحلت في جيب احد المسافرين الى بيروت، الذي استبدلني في سوق الصرافين بالدولار الأمريكي كي ابدأ رحلة كونية غير مستقرة حتى يومنا هذا”
محطات من رحلة درهم عراقي:
على الرغم من انني عُملة عراقية فضية صرفة، إلا انني لست من مواليد العراق. حقيقة الأمر انني من مواليد افضل مسبك للعملات المعدنية في العالم ومقره المملكة المتحدة. لقد وُلدت جميلاً مُشعاً مبهراً متميزاً بالتفاصيل الدقيقة ذات المعاني العديدة والتي فيها زهو وكبرياء لتاريخ حضارة وادي الرافدين. وعند الولادة يجمعوني مع المسكوكات الأخرى ويضعوننا في ملفوف اسطواني شبه كارتوني. نشحن بعد ذلك الى بغداد حيث مقر البنك المركزي العراقي. أنا من مواليد تموز عام ١٩٥٩ في الذكرى الأولى لثورة ١٤ تموز ١٩٥٨. حيث مثل احد جوانبي صورة زعيم الثورة عبد الكريم قاسم والوجه الثاني يمثل شعار الجمهورية الأولى والذي يمثل شمس وإشراقة تموز وسنابل العراق من الحنطة والشعير وسيفين احدهما عربي والثاني كوردي رمزًا للأخوة العربية الكردية. لاحظ ان هذا الشعار استبدل لاحقًا بشعار به نسر متكبر يمثل حاكم مارد بدلًا من ان يكون رمزاً للشعب وخيراته.
وبمرور الزمن نجد طريقنا الى الأسواق للتدوال من خلال المقايضات التجارية. وكل واحد منا له رحلته بين التجار وعامة الناس، بين المصارف والشركات، بين البقالين وسواق التكسي. نتنقل من جيب الى جيب، ومن صندوق الى صندوق، ومن يد ليد ومن حقيبة الى اخرى . ومن حسن حظي انه تم تداولي بسرعة بين المصارف لأكون جزءاً من راتب احد موظفيها. وشاء حظي في اليوم التالي ان يتم اختياري لأكون احدى عُملات مصرف الجيب اليومي لأحدى بناته الجميلات. لا تتصورون مدى فرحتي حينما لامستني تلك الأنامل الرقيقة المعطرة بالبراءة والنعومة. انها كل ما يتمناه اي درهم في الوجود. انها المكان الأمثل للأقامة الأبدية. انها افضل وسيلة كي ازور الأماكن الجميلة التي ستاخذني معها، الى المدرسة والملاعب والضحك مع البنات الأخريات. انها حلم اود ان لا افوق منه.
وفي غمرة النشوة نسيت السبب من وجودي. وهو انني خُلقت للتداول والتعامل والتبادل في السوق. وهذا ما حدث للأسف الشديد. فبعد انتهاء اليوم الدراسي ذهبت الفتيات الى دكان الحارة كي يشتروا منه الحلوى والمرطبات، وكان مصيري ان تمتد تلك اليد الناعمة الكريمة كي تمسني وتعطيني لصاحب دكان الحارة دون وداع. وبمجرد ملامستي ليدهِ الخشنة احسست بالفرق الرهيب بين منتزه الأنامل الرقيقة وبين خشونة ألاسوار العالية التي لا ترى من خلالها نور الشمس اونسيم الهواء الطلق.
قلت لنفسي، ولماذا القلق؟ اليوم هنا وسأكون في اليوم التالي في مكان آخر افضل واجمل بكثير. ومرت الأيام ومازلت في جيب ذلك التاجر البخيل الذي ابدى اعتزاز خاص بي. لماذا؟ ربما لأني كنت جديداً وناصعاً ولامعاً. كلا لا اعتقد ذلك. لانني لاحظت من انه يبع اكثر مما يشتري، ويدخر اكثر مما يصرف، وينقي النقود التي يحتفظ بها. وللأسف الشديد انا واحد من هؤلاء. ثم انه يتسلى كل يوم ولعدة مرات بعدنا ويتلذذ بأزدياد كميتنا. يحسبنا واحد واحد بيده الكبيرة الخشنة القاسية ذات الرائحة الكريهة التي تخنق الأنفاس.
وجاء اليوم الذي اعتقدت انه يوم النجاة. حيث اخرجني من صندوقه المقدس ووضعني في جيبه العميق. وذهب بي ومن معي الى السوق كي يشتري هدايا العيد لعائلته. توقف عند العديد من المحلات الى ان اعجبته احدى اللُعب. سأل عن السعر ووضع يده في جيبه واخذ يتلمسنا ويفركنا ويفركنا بيده ذات الرائحة تخنق الأنفاس من شدة تصبب العرق منها وهو متردد بين الشراء ام عدمه. واخذ يجادل السعر مع التاجر وكلما وصل مرحلة الحسم ضاقت يده علينا لحد الأختناق. وحينما يقرر عدم الشراء يرتاح نفسياً وتطلق يداه سراحنا. تكرر هذا الموقف عدة مرات الا انه في النهاية اشترى ارخص الهدايا وبأقل الأسعار ولم يصرف إلا بعض النقود التي اخذها معه. وانا لست واحداً منهم.
يا للهول! ما العمل؟ انه الكابوس الأبدي الذي سوف لا افيق منه. اريد ان اخرج من هذا الجيب اللعين ومن هذا الصندوق النتن ولا اُلامس هذه الأيادي المغلولة حتى على نفسها وابنائها. اريد الهواء الطلق، اريد الحرية، اريد التداول، اريد الترحال. اريد ان تلمسني ايادي كريمة سخية معطائة. اريد ان العب بين انامل الفتيات اللعوبات واصابع السيدات المتألقات ومحافظ الرجال ذوي الكبرياء والأعتزاز والسخاء والذين بكرمهم يتنافسون مع اقرانهم في الكرم والجود. رحلتي كانت طويلة جداً لأنني مصنوع من معدن صلب وليس من ورق مطبوع. لاحظت في ترحالي ان تداولي كان سريعا مع الفقراء وبطيئاً مع الأغنياء، سهلاً مع الشباب متعباً مع الكبار، ممتعاً مع النساء مُملاً مع الرجال. واخيراً رحلت في جيب احد المسافرين الى بيروت، الذي استبدلني في سوق الصرافين بالدولار الأمريكي كي ابدأ رحلة كونية غير مستقرة حتى يومنا هذا.
محمد حسين النجفي
آذار 2020
الصديق العزيز أبو عامر.. تحية طيبة
أولا اود ان اشكرك على مشاطرة قصتك القصيرة (درهم في جيب بخيل) معي ومع عدد من الأصدقاء.. ثانيا, لم أود أن انشر ردا على القصة قبل أن أطرح عليك ملاحظاتي ورأيي بها.
قرأت القصة مرتين وقد شدني إلى قرائتها أسلوبك الشيق حيث أستسلمت له وهو يأخذني إلى فترة مشرقة من تأريخ العراق التي عشتها وأتذكر لليوم تفاصيل أحداثها.. وبالطبع فإن هدف القصة هو إدانة البخل عند البرجوازي الذي يدخر ولا يتقاسم هذا الإدخار مع الأخرين, حيث كانت مظاهر الإدانة واضحة من خلال تشويه صورته .. ولكن لا أدري إن كان تحررك من جيب البخيل وتبادلك بالدولار في نهاية المطاف هو رمز للمنفى الذي اخترته لك, أو إنك تريد أن تبشر بسياسة السوق التجاري !
أما فيما يتعلق بالإسلوب الأدبي في كتابة القصة القصيرة والتي يتطلب فيها استخدام لغة راقية ومتينة لا يشوبها أخطاء نحوية, وبحيث تحافظ على الإسلوب المشوق حتى النهاية , ولكن مع الأسف وجدت بعض الأخطاء التي أضعها بين قوسين من اجل تصحيحها.. (وعند الولادة يجمعوننا مع الآخرين ويضعوننا في ملفوف اسطواني شبه كارتوني. نشحن بعد ذلك مع مجموعة كبيرة من المسكوكات الى بغداد) , (لأكون جزء من راتب احد موظفيها), (منتزه الأنامل الرقيقة وبين خشونة ألاسوار العالية), (ومر يوم ويوم آخر ومازلت في جيب ذلك التاجر), (يحسبنا واحد واحد) , (حيث اخرجني من صندوقه المقدس ووضعني في جيبه العميق. وذهب بنا الى السوق), (وانا لست واحد منهم.) , ( انها الكابوس الأبدي) ,(كان سريعا مع الفقراء وبطيئ مع الأغنياء،)..
عزيزي أبا عامر..
أنت تتحدث بالمفرد أي عن شخصك, ولكن الفقرة الأولى التي وضعتها بين القوسين تشير إلى المجموع فأقترح أن تصاغ كالآتي: وعند الولادة يجمعوني مع المسكوكات الأخرى ويضعونا في ملفوف اسطواني شبه كارتوني, نشحن بعد ذلك إلى بغداد. أما الإقتباس الثاني فكما تعلم أن خبر كان هو منصوب لذا فإن الفقرة تصبح : لأكون جزءا من راتب الخ.. أما الإقتباس الثالث فأقترح ان تصاغ كالآتي: بين رقة الأنامل وبين خشونة أيادي البخلاء.. أما الإقتباس الرابع, اقترح أن تصاغ الجملة كالأتي: ومرت أيام وأنا ما زلت الخ.. الإقتباس الخامس أيضا يجب أن تكون واحدا واحدا. الإقتباس السادس, الكابوس هو مذكر لذا تستبدل إنها بإنه.. أما السابع , فأنت تتحدث بالمفرد وفجاة انتقلت إلى الجمع, لذلك ينبغي أن تتغير أما إلى ( وذهب بي ومْن معي الى السوق, أو وذهب بي الى السوق).. والفقرة الثامنة أيضا تحتاج إلى تغيير إلى وانا لست (واحدا) منهم. أما الفقرة الأخيرة فهي أيضا تحتاج إلى تبدسل كلمة (بطيء) الى بطيئا.
لقد استمتعت كثيرا بقراءة قصتك ولن تؤثر هذه الأخطاء من حلاوتها وانسيابيتها.. مع ودي وتقديري.
نجاح يوسف
الصديق العزيز ابو فرات
انني بحاجة إلى ملاحظاتك القيمة سواء اللغوية أو السردية. إذا احببت ان تراجع القصة مرة ثالثة ستجد ان ملاحظاتك قد أخذ بها فعلا.
أما من حيث سؤالك عن مغزى تحولي إلى دولار، فإنك لم تذهب بعيدا لتصور هذه الرمزية. القصة باختصار ممكن ان تكون قصة أطفال مسلية ذات معنى اخلاقي، وممكن ان تكون ذات معنى اجتماعي بين حالة الفقير بين البخيل والكريم. والرمزية الأعمق هي ان الدرهم يمثل المثقف الناشط وان البخيل هو السلطة القاهرة التي حبسته في دهاليزها.
والتحول إلى الدولار هو الهروب مرغما وليس راغبًا من (البخيل) السلطة الخاشمة إلى المجتمعات الغربية المنفتحة.
خالص تحياتي وامتناني
انها لقصه جميله جدا جدا وواقعيه عشتها يا عزيزي الغالي مع الاسف الشديد. ولكن الحمدلله والشكر على العواقب الاخيره واهلا وسهلا في بلد الغربه البلد الثاني لنا والبلد الخير لنا والشكر لله على مأواهو لنا عشت الى الابد يا حبيبي الاول والاخير
هاسميك النجفي