أفكار حُـرّة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي
صوت معتدل للدفاع عن حقوق الأنسان والعدالة الأجتماعية مع اهتمام خاص بشؤون العراق
كلنا يعلم أن الأمم لا تنهض إلا بنتاج علمائها ومثقفيها ومصلحيها . وفى ذلك لم تختلف نهضة الشرق عن الغرب. فلم تنهض الحضارة الاغريقية إلا بفلاسفتها كسقراط وأفلاطون. ولم يبقى من الأمبراطورية الرومانية بعد إنحسارها سوى نتاج معماريها ورساميها ونحاتيها. وماذا بقى من الحضارة البابلية غير بقايا جنائن بابل المعلقة ومسلة حمورابي وقوانينها واحكامها ؟
ان الذى نريد ان نقوله هو ان للمثقفين والعلماء دور ريادي وقيادي في رقي الأمم وتقدمها. وإن لم يكن هناك مثقفون أو علماء فى زمن ومكان معين فإن تلك البقعة من الارض ستكون جرداء خاوية. وان الفرد و المجتمع سيتحرك ضمن نوازع وحوافز فطرية لا ترقى عن الاكل والشرب والسعي الى الاثراء.
ان المثقفين والعلماء لا ينتمون الى زمان معين ولا الى مكان محدد. فهم أمميون بطبيعتهم. فحينما نقرأ لعظام الكتاب لاتجدهم يتحدثون عن شؤون محلية اوأقليمية، ولا دينية او طائفية، ولا قومية او عنصرية . انما يتحدثون ويكتبون عن المشاعر والأحاسيس الانسانية، ويكتبون عن المعانات البشرية عبر العصور. انهم يَدرسون ويُدرسون السلوك الانساني ويميزون ما بين الخير والشر وبين ما هو مفيد وما هو مضر. انهم يدعون لنهضة الأمم وليس للبلدة او المحلة او القطر الذي ينتمون اليه.
فحينما نقرأ جمهورية افلاطون لا تجد فيها اى شئ عن الاغريق. وعندما تطالع مقدمة ابن خلدون تجد ما فيها مناسب لكل زمان ومكان . وهل كان شكسبير يتحدث عن صراع النفس البشرية فى بريطانيا فقط؟ وكذلك الحديث عن نجيب محفوظ و دوستوفسكى وهيغل ونيشة وكارل ماركس.
ما عذوبة القراءة لجبران خليل جبران وامتعها، هل انها لبنانية ام امريكية ؟ وهل ان قصيدة القدس لمظفر النواب كانت موجهة للشعب العراقي؟ وهل ان قصائد نزار قباني التي غنتها نجاة الصغيرة وعبد الحليم حافظ وكاظم الساهر سورية ام مصرية ام عراقية؟ وكذلك لم تكن أحاديث “سلامه موسى” موجهة الى الشباب المصري فقط، وإنما كنا في العراق نقرأها ونناقشها في حلقاتنا الثقافية. وحينما كان صوت ام كلثوم يصدح على ضفاف نهر النيل كنا نسهر معها على شواطئ الرافدين. ولم يكن المقصود بنصب الحرية للنحات الخالد جواد سليم التعبير عن ثورة تموز عام 1958 فقط، وإنما أراد فيها ان يحكي القصة الطويلة لمعانات البشرية جمعاء عبر العصور.
وعلى نفس المنوال يمكن التحدث عن العلماء الذين ابتكروا العتلة والة الطباعة، وقوة البخار والتلفون والسيارات والطيارات والنفوذ الى الفضاء وتطوير الطب والدواء والكمبيوتر والاتصالات التى لا حدود لها . الم يستفد من ذلك الاوربي والأمريكي؟ العربي والأ عجمي؟ الأسيوي والافريقي؟ نعم ان العلم والعلماء كانوا في خدمة البشرية جمعاء.
وكذلك الأديان، السماوية منها وغيرالسماوية لم تقتصر على مخاطبة امة أو قوم محددين بالذات. فالبوذية والمسيحية واليهودية جاءت لكل البشر، اما الأسلام فقد كان واضحا ومباشرا في عدم تفريقه بين الشعوب والأمم وعدم الأساءة لمعتنقي الأديان الأخرى، (وجعلناكم شعوبا وقبائلا لتعارفوا).
وإن كان يحلو للأمم أن تتفاخر بأن هؤلاء المثقفين والعلماء هم من أبنائها، إلا ان عظمة الأنجازات التي يسعى إليها المثقفون والعلماء والمصلحون لا يمكن تأطيرها وحصرها وهي مُلك لعموم البشرية وفخر للأنسانية جمعاء. وللأسف الشديد نرى أشباه المثقفين في هذه الأيام والسنين يعتلون الفضائيات وينشرون الجهل والكراهية والحقد بين أبناء الوطن الواحد. ويتفننون بوضع الخطوط الحمراء والخضراء، ثم يصبغونها باللون الأسود القاتم المظلم ويقولون ان هذا منا وذلك علينا وهذا حلال وذلك حرام. ويرجعونا لامور حدثت قبل آلآف السنين ليكفروا هذا الفريق ويلعنوا هؤلاء الأشخاص. ويقللون من حجم البشر ويهينون كرامته الأنسانية لأنه وُلد في هذه البقعة من الأرض ولم يولد في تلك . فهذا عربي وذاك كردي وهذا مسلم وذاك نصراني. حتى وصلنا لمرحلة عجيبة في حياتنا حيث اخذ الناس الناس يسألونك حينما تتعرف عليهم وبكل وقاحة هل انت شيعي ام سني؟ وهل ان لحم طعامك حلال ام حرام؟ ويتدخلون في تفاصيل معتقداتك الشخصية وحياتك اليومية.
فأين تلك الثقافة من هذه؟ واين العظام من الاقزام؟ واين الرجال من اشباه الرجال؟ واين العلماء من الاثرياء؟ واين الفلسفة والحوار من القتل العشوائي والمفخخات؟ اين حكماء القوم من جهلته ؟ وأين كاتبوا الاطروحات من مهاترات البرامج اليومية التي انهكت واستهلكت الاهتمام اليومي في الاحداث وسممت المناخ واجهضت محاولات الحوار بين المثقفين والرواد ومنحت المراهقين أسباب كافية كي يقتلوا على الهوية؟ ويضعوا المتاريس بين محلة واخرى ويهجرون الناس من مدنهم الى خيام ينصبها لهم الاخرون. أين غاندي من البغدادي؟ واين آنشتاين من بن غوريون؟ وأين النهار البهيج من ظلمة القبو المخيف؟ أين الأعلام الذي يثقفنا وينير الطريق الى الاجيال الناشئة؟
اننا نعيش في مناخ الاعلام الذي يحاكي اسوأ ما فينا ويذكرنا بأننا لسنا عراقيين وأنما عرباً واكراداً وشيعةً وسنةً. وأننا لسنا لبنانيون وانما دروز وسنة وشيعة. ولسنا مصريون وأنما مسلمون واقباطا. واننا لسنا سوريون وانما علويون وغير علويون. نعم ذكرونا من نحن كي نحتفل بذلك ونعتز به، ولكن لا توزونا على بعض ولا تقل لي بأني أفضل من الاخرين بل ذكرني بمقولة الأمام علي بأنه:
” من لم يكن لي أخ في الدين فهو أخ لي في الانسانية”
6 نيسان 2016
محمد حسين النجفي
#العراق #محمد_حسين_النجفي #