أفكار حُـرّة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي
صوت معتدل للدفاع عن حقوق الأنسان والعدالة الأجتماعية مع اهتمام خاص بشؤون العراق
بدأت هذا اليوم العمليات المباركة لتحرير مدينة الموصل العراقية. مدينة الموصل العريقة، ام الربيعين وثاني اكبر المدن العراقية ومن بين اهم المراكز التجارية والثقافية. ومن البوادر الأولى لمسيرة تحرير الموصل وباقي الأراضي العراقية يظهر جلياً قوة ومتانة وحماس القوات المسلحة كافة مدعومة بالدعم الشعبي من قبل الحشد الشعبي والعشائر التي لم ترضخ لداعش والعصابات الأرهابية الأخرى.
والسؤال الذي يجب طرحه هو بعد ان تتحرر كل الأراضي العراقية ويندحر الأرهاب الأسود، ما الذي سيكون عليه دور الجيش والقوات المسلحة الجديد؟ وما هو دور الحشد الشعبي والبش مركة والعشائر التي سُلحت بسخاء لمحاربة داعش؟ نعم ان الخطر سيبقى وستظهر حركات مسلحة جديدة بأسماء مبتكرة وافكار منحرفة وستجد من يآويها ويسلحها من الداخل ومن دول الجوار. وبالتالي سوف تستمر الحاجة الى تقوية ودعم القوات المسلحة والى وجود نوع من الدفاع المحلي المدني والجاهز للتسليح عند الحاجة. إلا ان ما هو موجود حالياً لايمكن استمراره لأنه سيخلق انواع جديدة من الصراع:
لقد وصلت الأمور لما هو عليه الآن نتيجة لاهم الأخطاء او الجرائم التي ارتكبها الأحتلال الأمريكي بعد عام 2003 وهو حله للجيش العراقي برمته. ولا ندري ما هي الأسباب الحقيقية التي ادت الى ذلك؟ حيث ان الدول المحتلة تخضع جميع مؤسسات الدولة تحت الأحتلال المدنية منها والعسكرية تحت امرتها ووصايتها. واذا ما اريد ازاحة نفوذ صدام وعائلته وحزب البعث واعضائه فما كان عليهم سوى ان يحيلوا على التقاعد من قاوم الأحتلال ومجموعة من القادة الذين يمثلون السلطة السياسية سواء في المؤسسات المدنية او في الجيش والشرطة. وفي جميع الحالات فإن ذلك لا يتعدى ان يكون مئتي او ثلثمائة شخص. ولكن بريمر بأعتباره الحاكم العام في العراق وبتفويض من مجلس الامن قرر حل الجيش العراقي بجرة قلم. وقد ادى ذلك الى تفريغ كافة المواقع والثكنات ومخازن الثغيرة والمطارات والقواعد العسكرية من اية حماية او حراسة عسكرية او امنية. ويكون كل ما في هذه المنشآت العسكرية الحساسة، مالاً سائباً بيد من يريد. وفعلاً تم نهب وسلب السلاح والعتاد والمعدات الخفيفة والثقيلة لتكون بيد مناوئي العهد الجديد. وقد ساعد ذلك على تسليح ميليشيات سنية وشيعية قاومت العهد الجديد بحجة مقاومة المحتل الأمريكي.
يقول المرحوم اسماعيل العارف وهو احد اقدم الضباط الأحرار ووزير الأرشاد والمعارف في عهد الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم ان قانون خدمة العلم الألزامي لعام 1935 هو من افضل القوانين لأنه قوى ومتن الجيش العراقي والقوات المسلحة التي تأسست في 6 كانون الثاني عام 1921. ويبرر ذلك من ان هذا القانون ساوى بين كل العراقيين في واجبهم الوطني لحماية الدولة العراقية. حيث انه لافرق بين فقير اوغني، بين منطقة واخرى، بين عربي او كردي او تركماني. وبمنطقنا هذه الأيام لا يفرق بين شيعي او سني.
ان ما نراه في العراق حالياً من خراب ودمار للمواطن العراقي من خلال نشر وتشجيع الطائفية والعرقية ومن منهجية المحاصصة وتوزيع الارزاق على امراء الفساد والأبتزاز وسيطرة قوى الأرهاب المقيت على ثلث اراضي العراق والعشرات من المدن العراقية ، يدعونا الى التفكير بحل جذري لهذه الازمة المستعصية. واذا كانت الدعوة للتطوع لاسناد القوات المسلحة قد لعبت دوراً ايجابياً لردع داعش وايقاف زحفها على بغداد، فإن ذلك لايمنع من ان تستغل هذه الدعوة التي اريد بها حفاظاً للعراق، من قبل جهات متعددة ويتحول ولائها تدريجياً لطوائف واحزاب وتيارات بدلاً من الولاء للوطن.
ان العراق في حالة حرب مستمرة منذ اعوام وسيبقى كذلك لأعوام قادمة. ان امريكا اثناء حرب فيتنام شرعت قانون الخدمة الألزامي. وان كل الدول المجاورة مثل ايران وتركيا والدول العربية مثل مصر وسوريا والأردن كلها تتبع نظام خدمة العلم الألزامية. ان النموذج العراقي الحالي نموذج ملائم لدولة مستقرة وعريقة في استقرارها كالسويد وفنلندا وغيرها من الدول الأوربية، وليس لبلد نامي يعاني من الأحتلال والتمزق الطائفي والعرقي والجغرافي.
فمن أجل توحيد العراق والقضاء على الارهاب الأسود. وكي يتم الأستغناء مستقبلاً عن كافة الميليشيات القانونية وغير القانونية. وفي سبيل أعادة الأمن والأستقرار لربوع الرافدين، وعلى أمل توفير الفرصة للأستغناء عن القوات الأجنبية بكافة اشكالها واسبابها، ولتوفير فرص العمل للشباب العراقي، نقترح ما يلي:
1- أعادة تأسيس الجيش العراقي من كونه جيش محترفين مبني على التطوع للعمل في الجيش والذي أستغل كي يكون التعيين على اساس المحاصصة وتزكيات الكيانات السياسية الفاسدة، الى جيش وطني يعتمد على الخدمة الألزامية للعَلم وللوطن والمواطن
2- أعادة تأسيس قوات الشرطة والأمن من كونها كيان وظيفي محاصصي الى كونه جزء من خدمة العَلم والوطن والمواطن
3- يدعى لخدمة الوطن كل من بلغ سن الثامنة عشر، في حالة عدم استمراره في الدراسة، ليكونوا جنود ومراتب في القوات المسلحة الوطنية
4- يدعى لخدمة الوطن خريجوا الجامعات ليكونوا ضباط المستقبل في القوات المسلحة الوطن
5- يعاد الى الخدمة العسكرية والى مراتب قوات الشرطة والأمن جميع ضباط الصف من خيط و عريف ورئيس عرفاء و نواب الضباط ومفوضي الشرطة شريطة عدم تورطهم في اعمال أجرامية خلال العهد السابق أو الحالي
6- يتم اعادة تعيين نخبة من قدامى الضباط ممن لم يتورطوا في أي عمل او نشاط أجرامي خلال العهد السابق أوالحالي
7- يمنح المكلفون والمعادة خدماتهم رواتب مجزية تتناسب مع شرف المهنة وخطورة المهمة وتكاليف المعيشة. وتكون رواتب ومخصصات المكلفين مساوية لرواتب ومخصصات المتطوعيين
8- بموجب ذلك ستكون تشكيلة الجيش والشرطة من كافة أطياف الشعب العراقي ليكون حاميا للوطن وسوراً لحدوده بعيدا عن الطائفية او العرقية او الولاء السياسي
9- تحل تدريجيا كافة الميليشيات القانونية وغيرالقانونية، بضمنها البيش مركة والحشد الشعبي والحرس الخاص والصحوة وكافة المسميات الأخرى ويتم توظيف المتعاونين والمناسبين منهم في القوات المسلحة او وظائف مدنية
10- يسحب السلاح تدريجا من الأفراد والكيانات ممن ليسوا باي شكل من الأشكال مرتبطين بالقوات المسلحة من الجيش والشرطة العراقية
11- خدمة العلم الألزامية لا تتجاوز سنتان بأي حال من الأحوال. وعلى من يريد الأستمرار يمكنه البقاء في حال ثبوت كفائته ووجود حاجة لخدماته
12- خدمة العلم الألزامية تشمل الذكور والأناث على السواء. فالقوات المسلحة لاتحتاج لمقاتلين فقط، وانما لأطباء وممرضيين وصيادلة ومهندسين وفنيين ومحاسبين وادارة مخازن وتمويل ومحاسبين وطباخيين وما الى ذلك من الكثير من الواجبات التي تساهم فيها المرأة في خدمة الوطن
13- تحدد مهام القوات المسلحة ضمن الدستور ولا يحق لها تعطيله او تغيير السلطة التنفيذية متمثلة برئيس الوزراء او تغيير السلطة التشريعية متمثلة بالبرلمان العراقي المنتخب
14- لا نريد جيشا يستأثر بالسلطة ولا جيشا يقمع الشعب ويدافع عن الحكام، وانما نريد جيشاً وقوات أمن تمثل العراق من كردستانه الى أهواره، تحمي الوطن وموارده والمواطن وحقوقه
15- الجيش لا يكون الا مركزياً وفدرالياً، وبالتالي فهو يمثل كل العراقيين بكل اطيافهم ويحمي كل الحدود ويدافع عن كل شبر من ارض العراق، ولذا له حق التواجد على كل شبر من ارض الوطن، وخصوصاً في حدود التماس مع ايران وتركيا ضمن مناطق اقليم كردستان
ان خدمة العلم الألزامية قد استغلت من قبل الحكام في السابق في ابقاء الشباب في الخدمة حسب اهوائهم. كذلك لم تكن ظروف المعاملة انسانية على الأطلاق، ناهيك عن ان الرواتب والتعويضات المالية كانت مجحفة جدا. ان ذلك ليس عيباً على الخدمة الألزامية وانما عيبا على الحكومات والحكام الذين يستأثرون بالسلطة ويسخرون مواردها كي يحتفظون بمناصبهم.
محمد حسين النجفي
16 تشرين الأول 2016
وكانون الثاني 2016
* كتبت النسخة الأصلية لهذه المقالة في 6 تموز 2006