أفكار حُـرّة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي
صوت معتدل للدفاع عن حقوق الأنسان والعدالة الأجتماعية مع اهتمام خاص بشؤون العراق
لقد شهدت مصر العديد من الثورات والأنتفاضات والأضرابات، ودخلت في العديد من الحروب، ومن أهمها ثورة عرابي عام 1881 وثورة سعد زغلول عام 1919 وثورة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصرعام 1952. كذلك حركة مقاومة الإنكليز التي أدت الى الجلاء وتأميم قناة السويس وحرب 5 حزيران 1967 المأساوية. كذلك شهدت مصر العديد من الأضرابات العمالية في حلوان والمحلة وموانئ الأسكندرية. أن ثورة 25 يناير جاءت تتويجا لنضال وكفاح الشعب المصري من أجل الحرية والعدالة الأجتماعية، وعلى الرغم من أنها أمتدادا لما سبق من تجارب الا أن ثورة الشباب المصري في 25 يناير تتسم بمميزات خاصة وفريدة تنفرد فيها عن كل الثورات والحركات التي سبقتها، من حيث الشكل والمضمون ومن حيث الوسيلة والغاية، وأهم هذه الميزات مايلي:
1- أنها ثورة شعبية بحق، حيث أن الجيش المصري أستلم السلطة من الثوار، وضمن شروط الثوار وليس العكس كما ما حصل في ثورة عام 1952 في مصر وعام 1958 في العراق، حيث أن الجيش قام بأنقلاب عسكري لتغيير السلطة ورفعوا شعارات ألهبت مشاعر الشعبين لتأييدهما.
2- أنها ثورة لم تقودها أحزاب تقليدية أو أحزاب سرية مثل ما حصل في الثورة الأيرانية عام 1979 حيث قاد الثورة أحزاب مثل الحزب الجمهوري الأسلامي بقيادة بهشتي ومجاهدي خلق بقيادة مسعود رجوي وغيرهم. أنما هي ثورة قام بها وقادها شباب ربما كانت هذه هي تجربتهم الأولى في المعترك السياسي، وذلك على الرغم من وجود العديد من أحزاب معارضة مثل الأخوان المسلمين والوفد وحركة كفاية.
3- يقود الثورات قادة محنكون، صارمون وأشداء مثل ماو تسي تونج وكاسترو والخميني ومانديلا، وهذا يضمن لحركتهم وحدة الهدف والغاية. إلا أن ثوار مصر لم يظهر اي منهم من يدعي القيادة، وانما يفضلون لقب المشاركة في الثورة عن لقب قيادة الثورة، ولربما كان لسان حالهم يقول أن المطالب التي رفعوها هي قائدهم وليس شخص محدد قابل للتغيير والمساومات وربما للفساد بمرور الزمن.
4- كل الثورات ترتبط بأيدولوجية محددة أو بهدف واضح ومحدود، مثال على ذلك الثورة الجزائرية وهدفها التحرير من الاستعمار الفرنسي والثورة البلشفية في روسيا لبناء مجتمع أشتراكي ونضال جنوب افريقيا لأزالة التمييز العنصري وحكم الأقلية، الا أن أهداف الثورة المصرية لم تكن محددة وواضحة في البدء على الأقل، حيث أبتدأت بمطالب لأطلاق الحريات ومحاربة الفساد وتطورت للمطالبة بأسقاط النظام كي تتحقق المطالب الأصلية في الحرية والديمقراطية الحقيقة ومحاربة الفساد السياسي والأقتصادي.
5- كل الثورات وقادتها يسعون للوصول الى السلطة كي يتولوا بانفسهم العمل على تحقيق الاهداف التي ثاروا وضحوا من أجلها، مثل الشريف حسين وأبناءه في الجزيرة العربية، والثورة الكوبية وكاسترو والثورة الأيرانية والخميني . أما ثوار مصر فإنهم بعيدين كل البعد عن السلطة وإنما على مايبدوا قد آثروا أن يكون دورهم مراقباً عن كثب للأحداث والتأثير عليها من خلال سلطة الشعب في الشوارع والحارات المصرية.
6- عُرفت كل الثورات بشعاراتها الرنانة مثل محاربة الأستعمار، والقضاء على العدو الصهيوني وتحرير فلسطين، الوحدة العربية من المحيط الى الخليج، محاربة الأمبريالية، تحقيق الاستقلال السياسي الى آخره، اما الثورة المصرية فقد أحتفظت ببساطة شعارات هموم الشارع المصري ومصداقيتها.
7- عرفنا من الثورات ثلاثة أنواع: أنقلاب عسكري ويحدث فيه تغيير السلطة بظرف يوم أو ساعات، أو ثورة شعبية تدوم سنين عدة وتحصد من الضحايا ما لا يعد ولا يحصى، أو تغيير عن طريق تدخل قوى أجنبية عظمى مثل ما حدث من تغيير في أوربا أبان الحرب العالمية الثانية وماحدث في العراق ومايحدث حاليا في ليبيا. أما الثورة المصرية فأنها ثورة شعبية سلمية، ورغم ذلك أستطاعت أن تسقط النظام بأقل من شهر بقوة التفاعل بين المثقفين والمحرومين. إن هذه الثورة نمت وترعرعت في احضان المحرومين والجياع والمشردين في ألازقة والعشوائيات، ثم تحسس بها الشباب المثقف الواعي لما يحدث وأسبابه، فثاروا من أجل حريتهم ومن اجل رغيف عيش المحرومين.
8- هناك العديد من الثورات الشعبية، إلا أنها تمثل طائفة من ذلك الشعب وليس الشعب كله، مثال على ذلك ثورات الأكراد في العراق وتركيا وايران، وثورة التاميل في سيريلانكا وثورة الحوثيين في اليمن وثورة الباسك في أسبانيا. إن اهم أسباب عدم نجاح هذه الحركات هو انها فصلت نفسها عن عموم شعب ذلك البلد وأضحت مطالبها كأنها مناقضة لما يطالب به عموم ذلك الشعب. أما الثورة المصرية فقد أطلق عنانها شباب علمانيون، مسلمون وأقباط وسرعان ما استقبلوا وتقبلوا مشاركة الأخوان معهم. كذلك فإنها أتسعت لتشمل عموم مصر من إسكندرية الى صعيد مصر، ومثلت الشباب المثقف وموظفي الدولة وعمال مصانع حلوان وأهالي بورسعيد البطلة.
9- أن ما يميز الثورة المصرية على الرغم من محليتها وخصوصيتها، إن مطالبها وهمومها تمثل معانات وهموم الشعب العربي برمته، وكل عربي تخايل نفسه ان هؤلاء الثوار ينطقون بإسمه وانه ياريت لو تحدث مثل هذه الثورة في بلده كي يساهم فيها، مما أدى ذلك الى أرتفاع الروح المعنوية والثقة بالنفس والشعور الوطني والقومي لدى الجميع وانتشار عدوى الثورة في الدول العربية الواحدة بعد الاخرى.
10- تبدأ الثورات وتنجح من خلال وصول الثوار الى القصر الملكي أو الجمهوري واحتلال الأذاعة وقراءة البيان الأول الذي يعلن فيه خلاص الشعب من الطغمة الفاسدة. أما البيان الثاني فهو منع التجول حتى أشعار آخر ليتسنى للقوات المسلحة الوطنية فرض الأمن والأستقرار. أما الثورة المصرية فقد أستخدمت وسائل التواصل الأجتماعي الحديثة مثل التليفونات الجوالة والفيس بوك والتويتر واليوتوب، وبقى الأعلام الحكومي بيد السلطة مدافعا عنها بكل الوسائل، الا أنه لم ينجح في تشويه سمعة الثورة والثوار، وبذلك نجحت الثورة دون احتلال سرايا الحكومة او السيطرية على الأذاعة الرسمية.
11- إلا ان اهم مميزات الثورة المصرية وبقية الأنتفاضات الشعبية ” وهو ما لم يتحدث به أحد” أنها جاءت لتهدم التحالف غير المقدس بين رجال السياسة ورجال المال والأعمال، حيث أن ما حدث بأسم الخصخصة وتشجيع القطاع الخاص ومنح التسهيلات للأستثمارات الأجنبية أدى الى فتح الباب على مصراعيها أمام قادة البلد من وزراء ومدراء عاميين ونواب بشكل وآخر منتخبين الى المشاركة في عملية البيع والشراء وتحقيق الأرباح على حساب مصلحة الوطن والمواطنيين. وبذلك أنتقلت ثروات هذه الشعوب الى ممتلكات شخصية وعائلية وأرصدة في بنوك أجنبية، وهذا ما حدث لصدام وعائلته ومبارك وأبنائه وزين العابدين ونسبانه والقذافي وصبيانه وعراق اليوم وكل الفاسدين والمرتشين والمتنعمين في خيراته.
12- أن التاريخ سيذكر بأن هذه الثورة المصرية ستكون” أم الثورات” وان الشباب الذين بادروا بها سيكون لهم مقام خاص بين الثوار. أنها ثورة بسيطة بظاهرها عميقة بمفهومها وأبعادها، وفي أعتقادي انها ستكون ثورة دائمة ومستمرة، ان هذه الثورة لا تنوي التوقف بأزالة رموز السلطة الحاكمة وتغيير وجوه وضمان بعض الحقوق وفصل هذا ومحاكمة ذاك. انها ثورة اجتماعية ذات أبعاد سياسية واقتصادية وقانونية، أنهم يريدون تغييرا جذريا للنظام من خلال تغيير الدستور وأعادة هيكلة النظام الأقتصادي كي يكون ضمانة لبناء مجتمع تتفتح فيه فرص العمل المُجدي مع ضمانة فعلية لتحقيق العدالة الأجتماعية وحقوق العاملين والموظفين الصغار الذي كانوا وبقوا على مستويات دخولهم المحدودة على الرغم من الثراء الفاحش الذي حصلت عليه القلة الفاسدة وأرتفاع الأسعار والغلاء الذي تتحكم به الأمتيازات غير المشروعة.
محمد حسين النجفي
9 نيسان 2011