أفكار حُـرّة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي
صوت معتدل للدفاع عن حقوق الأنسان والعدالة الأجتماعية مع اهتمام خاص بشؤون العراق
“التغيير المعاكس للتغيير المطلوب”
“تأتي الرياح بما لا تشتهي السَفن”. نعم هذا ما حدث لقانون الأنتخابات العراقي. فبدلاً من ان يصبح اكثر تمثيلاً للشعب العراقي، تراجع ليكون اكثر اكثر مناطقياً واكثر طائفياً واكثر عنصرياً. حيث بدل ان ينتقل العراق الى دائرة انتخابية واحدة، تحول من 18 دائرة انتخابية الى 83 دائرة انتخابية بموجب القانون الجديد. وبذلك سيكون من السهولة على حيتان السياسة العراقية التسلط على رقاب ابناء محلتهم وناحيتهم وقضائهم. مسيرة معاكسة لما مفروض ان يحدث، ونتيجة مؤلمة لأن ذلك سيحول الأنتخابات الى معارك شوارع وحارات وسيؤدي الى احتكاكات تؤجج الفرقة بين ابناء المنطقة الواحدة اكثر مما هي عليه الآن.
“اقتراح العراق دائرتين انتخابيتين فقط”
البديل الأنتخابي:
من هو الشعب، ومن هم ممثلي الشعب؟ ولنأخذ الشعب العراقي نموذجاً وهو بحدود الاربعين مليون نسمة. من يمثل الشعب ومن له حق التكلم بأسمه؟ الحكومة ام البرلمان؟ الأحزاب السياسية او المكونات الانتخابية؟ ممثلي الطوائف ام شيوخ العشائر ووجهاء المدن ام المرجعيات الدينية؟ نعم ان كل منهم يمثل شريحة من الشعب، وهذا صحيح. ولكن هناك العديد من الأسئلة التي لابد من طرحها، ومحاولة الأجابة عليها وفهم معانيها. فعلى سبيل المثال من لديه الصلاحيات ليتخذ القرارات السيادية والعامة والشاملة التي تهم عموم الشعب وليس جزء منه. ما معنى الأغلبية وما معنى مراعاة الأقليات؟ هل لأن العرب اغلبية سكان العراق اذن هُم من يتخذ القرار؟ هل لأن الشيعة هم غالبية مسلمي سكان العراق معنى ذلك هم من يقرر مصير العراق؟ هل لأن الكورد يتركزون في شمال العراق يعني ذلك انهم ينفردون بأدارته؟ هل ان داعش يمثل نفسه ام انه يمثل السنة او غالبيتهم؟ هل ان الحشد الشعبي والفصائل الشيعية يمثلون انفسهم ام يمثلون غالبية الشيعة؟ هل ان البيش مركة فعلاً تمثل كورد العراق ام انهم يمثلون سلطة تتحكم فيهم؟
أسئلة كثيرة من هذا النوع وذاك تجعلنا نفكر من هو الشعب ومن يمثلهُ، وكيف نصل الى التمثيل الأفضل؟. فعلى سبيل المثال، هل يمثل البرلمان العراقي كل الشعب ام انه يمثل فقط العشرون بالمئة الذين شاركوا بالتصويت. واذا كانوا يمثلون العشرون بالمئة فقط، فمن يمثل الغالبية الممثلة بالثمانين بالمئة التي لم تشارك في الأنتخابات، والتي جلست مرتاحة في بيوتها؟ واليوم نرى ان الشباب الغاضب على الفساد والمحاصصة وانعدام الخدمات وفرص العمل، نراهم يتظاهرون ويعتصمون وينتفضون من اجل التغيير والإصلاح وحياة افضل، ونحن مع مطالبهم المشروعة. ولكن كم هو عددهم واية نسبة من الشعب يمثلون؟ واي فئة من الشعب يمثلون؟ هل هم من يمثلون الشعب؟ وهل ان من لم يشارك معهم وجالساً في بيته هو معهم ام ضدهم ام غير مهتم كلياً؟
“إن التظاهر والأعتصام لا يصنع التغيير، وانما يمنحه فرصة”
أسئلة مشروعة وليست تساؤلات تعجيزية. اذن دعونا نرجع الى السؤال الأول وهو: من هو الشعب، وما هي مطالبه، ومن يمثله؟ المفروض ان الشعب ينتخب ممثليه، لذا عليهم (الشعب) المشاركة الفعالة والفعلية بالعملية الانتخابية. وهذا لا يعني التصويت في يوم الانتخابات فقط، وأنما المشاركة الفعالة في ترشيح ممثليهم للانتخابات ودراستهم ونصرتهم والتبرع لهم والترويج لرسالتهم، وفي يوم الانتخابات التصويت لهم. إن التظاهر والاعتصام لا يصنع التغيير، وإنما يمنحه فرصة على الشعب الاستفادة القصوى منها. ولكن يبقى كل ذلك خاضعاً ومتأثراً بعاملين اساسين هما: الأول مدى صلاحية القانون الانتخابي الحالي أو المقترح لتمثيل الشعب خاصة من ناحية تحديد الدوائر الأنتخابية، والثاني مدى نزاهة وقدرات الهيئة المشرفة على الانتخابات. إن التجارِب العالمية متعددة وكثيرة ومعقدة. ولكني اعتقد ان المرحلة الحالية تتطلب ان يتكون العراق من دائرتين انتخابيتين فقط. الدائرة الأولى هي دائرة كردستان العراق، والدائرة الثانية هي كل العراق ما عدا كردستان. اما من حيث ضمان نزاهة الأنتخابات وسلامتها، ففي هذه المرحلة لا بد من اشراف دولي من قبل الأمم المتحدة والهيئات الدولية لحقوق الإنسان.
ارجوا من القاريء الكريم ان يراجع مقالة الدكتور شاكر رحيم حنيش* للتعرف على التجارب الأنتخابية في العديد من البلدان. الصراحة تتطلب الأعتراف انه لا يوجد نظام مثالي لتمثيل كل الشعب في اي برلمان في العالم. ودائماً ستكون اليد الطولى دائماً للأغلبية الفائزة. ولكن هذا لا يمنع من المحاولات ، فالتجارب غنية بأنتقال العديد من احزاب المعارضة الى دسة الحكم بعد ان تعلموا كي يكسبوا ثقة شعوبهم. لذا فإن الاقتراح أعلاه سيضعف قدرات الهيمنية على الأصوات لأن سيطرة الحيتان محلية فقط في معظم الأحيان. كذلك سيؤدي ذلك الى تحسين امكانية الأحزاب الصغيرة ذات الأنتشار الواسع ولكن مبعثر جغرافياً للوصول الى البرلمان. أما الأقليات المتوزعة على المحافظات فأنها تستطيع تجميع أصواتها عبر المحافظات للحصول على تمثيل افضل. مضافاً الى ذلك فإن التصويت سيكون على أساس المواطنة، لذا فإنّ الشعارات الطائفية والمناطقية، ستؤدي الى عزوف الناخب عن التصويت لدُعاتها.
* كيف يمكن للعراق ان يستفيد من الانظمة الانتخابية العالمية؟
محمد حسين النجفي
www.mhalnajafi.org
14/10/2020
#العراق #الأنتخابات-العراقية #البرلمان العراقي